لامن الحلال ولا الحرام - يلزم أن يكون غير مرزوق، فما هو جوابكم فهو جوابنا، انتهى.
وقال بعض الأكابر: لاشك ان ما نشاهده من الموجودات أعم من الجماد والنبات والحيوان والانسان لا يكفيها أصل الوجود للبقاء، بل تستمد في بقائها بأمور اخر خارجة عن وجودها، اما بضمها إلى أنفسها بالاقتيات والاغتذاء، أو بوجه آخر بالايواء واللبس والتناسل ونحوها، وهذا المعنى في الانسان وسائر اقسام الحيوان أوضح، وهو الرزق الذي عليه يتوقف بقاء أقسام الحيوان، من غير فرق في ذلك بينها أصلا، وقد قال تعالى:
" وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها " فالرزق مما لا يستغني عنه موجود في بقائه، وإذ خلق الله هذه الأشياء لبقائها، فقد خلق لها رزقا، فاستناد البقاء إليه تعالى يوجب استناد الرزق إليه من غير شك، قال تعالى:
" فو رب السماء والأرض انه لحق مثل ما انكم تنطقون " وكون الرزق بهذا المعنى أمرا تكوينيا غير مربوط بعالم التكليف كالشمس في رائعة النهار، فان الحدوث والبقاء ولوازم كل منهما أمور تكوينية بلا ريب، ثم إن الانسان لما تعلق التكليف ببعض أفعاله المتعلقة بالأرزاق كالأكل والشرب والنكاح واللباس ونحوها، والرزق مما يضطر إليه تكوينا، كان لازم ذلك ان لا تتعلق الحرمة والمنع الا بماله مندوحة عنه، والا كان تكليفا بما لا يطاق قال تعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج " وقال: " ان الله لا يأمر بالفحشاء " وكان لازم ذلك ان في موارد المحرمات أرزاقا إلهية محللة هي المندوحة للعبد، وهي الأرزاق المنسوبة إليه تعالى بحسب النظر التشريعي دون المحرمات.
فتحصل ان الرزق رزقان: رزق تكويني وهو كل ما يستمد به موجود في بقائه كيف كان. ورزق تشريعي وهو الحلال الذي يستمد به الانسان