الكوفة، وبهذا أفلت شمس الازدهار والعمران من المدينة المنورة لتنتقل إلى العاصمة الاسلامية الجديدة، ألا وهي الكوفة التي اختارها أمير المؤمنين، لكونها تقع وسط العراق، كما أنها تحتل الموقع الوسط بين الحجاز والشام من جهة، وتطل على المدائن وبلاد فارس من جهة ثانية، كما أن هناك اعتبارات سياسية أخرى حددها أمير المؤمنين قبل نزوله فيها.
كانت الكوفة زمن أمير المؤمنين عليه السلام أكبر مدينة إسلامية شهدها العالم، وازدهرت فيها الحياة العلمية، والاقتصادية، والاجتماعية، بشكل واسع، وخير دليل على ذلك نزول كبار الصحابة فيها، فراجع ما تقدم.
بعد هذا صار مركز الحكومة في الشام، وذلك لما عصى بها معاوية، وقد استتب له الامر أكثر لما قضى على كل مناوئيه، وبالخصوص الإمام الحسن عليه السلام، فأصبحت دمشق الشام دار السلطنة للحكم الأموي طيلة ثمان عقود من الزمان، في خلالها ازدهرت الحياة المادية، وتنعم فيها القضاة، والأدباء، والقواد، وشملها الترف المادي بشكل غريب، لكن لم يظهر عليها ترف فكري، أو علمي كما سبق للكوفة، بل أصبحت أموية الهوى، وتعادي أهل البيت عليهم السلام، حتى أن معاوية سن لأهل الشام سننا وبدعا كثيرة، منها: أنه عودهم على سب أمير المؤمنين عليه السلام لمدة نصف قرن من الزمان، حتى شب عليه الوليد وهرم عليه الكبير، واقتفى أثره من جاء بعده من الحكام الأمويين.
ثم جاءت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية، وأنشأ المنصور الدوانيقي مدينة السلام بغداد، وجلب إليها الزهو والعمران، كما أنه اهتم بتخطيط بغداد وتنظيمها، وإنشاء الطرق والقنوات والمساجد والمدارس فيها، وقد صحب هذا الاهتمام انتقال طائفة من التابعين والعلماء والفقهاء إليها، كما حلها من قبل عدة