من الصحابة، إذ نزلوا في المدائن ومصروها، وبغداد في حدودها متاخمة للمدائن، وقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه خمسين صحابيا نزلوا في المدائن على عهد عمر ابن الخطاب لما دخلها الجند فاتحين لها، بقيادة سعد بن أبي وقاص، وقد ذكرنا أكثر من مائة وسبعين صحابيا - فيما تقدم - من الذين نزلوا الكوفة ومصروها، فقسم كبير من هؤلاء شاركوا سعد بن أبي وقاص في فتح المدائن.
كيفما كان، فإن بغداد استقطبت العديد من العلماء، والفقهاء، ومن تابعي الصحابة، ومع ازدهار البلدة سياسيا فقد ازدهرت علميا، إذ دخلها التشيع منذ بدء تأسيسها، وأخذ ينمو بفضل البيوت والأسر الطالبية والعلوية التي نزلت بغداد، وكانت منطقة الكرخ خالصة للشيعة.
وفي زمن الإمام الصادق، والكاظم عليهما السلام انتشر مذهب أهل البيت في بغداد، وذلك لانشغال بني العباس بملاحقة بني أمية، فأتاحت الفرصة للإمام الصادق عليه السلام في بث أحاديثهم المروية عن جدهم صلى الله عليه وآله، وتصديه للتدريس، حتى التف حوله أكابر العلماء والفقهاء، بل وحتى مؤسس المذهب الحنفي، أبو حنيفة النعمان بن ثابت، قد درس عند الإمام الصادق عليه السلام، وقد اعترف بذلك إمام الحنفية فقال: " لولا السنتان لهلك النعمان "، وهكذا أخذ عن الإمام الصادق عليه السلام كل من مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأيوب السجستاني، ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب " المغازي "، وآخرون.
وأخذ التشيع ينمو في بغداد بعد الإمام الصادق عليه السلام نموا حثيثا، بالرغم من المعاناة التي كانت تلاقيها الشيعة من الحكام العباسيين، كالمنصور، والرشيد، والمأمون، والمتوكل، والاضطهاد الذي شملهم، والقتل والتشريد الذي لحق بهم، استمر طيلة العصر العباسي منذ نشوء الدولة وحتى سقوطها، عدا فترة آل بويه، و