أما توحيده في الذات فقد عرفت أنه سبحانه، واحد أحد، فرد صمد، ليس كمثله شئ، كان موجودا منذ القدم فهو قديم، وأن وجوده واجب لا محالة، وشريكه ممتنع وجوبا لا محالة، لأنه لا يصلح للكون أن يكون فيه اله غيره " لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا " (1)، لا تدركه الابصار، ولا يستطيع المخلوق أن يصل إلى كنهه، فمهما كان ذهن الانسان له من القابلية والقدرة والاستعداد لا يصل إلى ما يريده من تصور ذاته، وعلو الهمم لا يمكن أن تدركه، قد عرفناه قديما منذ الأزل، لأنه لم يكن مسبوقا بالغير، كما أنه سبحانه لم يكن مسبوقا بالعدم، ولهذا كان واجب الوجود وهو سبحانه.
وأما توحيده في الصفات فنقول: لما كانت معرفته أساس الطاعة والعبادة فما لم يعرف لا يمكن أن يطاع، ولا تتم معرفته إلا بإذعان العبد بوجوب وجوده، ولا يكون هذا الاذعان ما لم يؤمن العبد بوحدانيته، أي لا شريك له، لان الواجب لا يتعدد، وقد تم الدليل. عليه بصورة مجملة، وكمال هذا التوحيد لا يتم إلا بالاخلاص له، ومن جملة الاخلاص هو نفي الصفات الزائدة عنه، فصفاته عين ذاته، فعلمه، وقدرته، وإرادته، وسمعه وبصره... كلها موجودة بوجود ذاته الأحدية، وذاته جامعة ومستوعبة لها، وهي عينها، وليست زائد على الذات خارجة عنها، كما أن صفاته الذاتية من القدرة والاختيار والعلم والحياة ليس لها حد معين ينتهي إليه ويقف عنده، كما هو الحال بالنسبة للمخلوقات التي يعتريها التغير، أو توصف بالزيادة والنقصان، فقدرته لا توصف بالقوة والضعف، وكذا علمه لا يوصف بالزيادة والنقصان، فقدرته من حيث الوجود حياته، وحياته قدرته، فهو قادر من حيث هو حي، وحي من حيث هو قادر، وصفاته عين ذاته، وهي أزلية ليس لها