إن أول بيئة ظهر فيها التشيع هي المدينة المنورة - يثرب -، إذ بعدما هاجر إليها الرسول صلى الله عليه وآله من مكة مع ثلة من أصحابه والذين سموا فيما بعد بالمهاجرين، كان من بينهم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب، وبعض ممن أيده وناصره من قريش.
ولما تركزت الدعوة الاسلامية، وأرست قواعدها في المدينة المنورة، وأقيمت فيها الدولة الاسلامية وعلى رأسها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم - أنذاك - استوطنتها العوائل وبالذات قريش، واتخذتها المقر الدائم لها. ومن قريش الذين سكنوا في المدينة، أولاد عبد المطلب: عبد الله، والعباس، وأبو طالب، وجعفر، وعقيل، والحارث، وغيرهم.
لقد اهتم الرسول صلى الله عليه وآله بقريش لما توجه الخطاب إليه من إعلان دعوته إلى الناس على أن يبدأ بعشيرته، فقال تعالى: " وأنذر عشيرتك الأقربين... " (1).
فلما نزلت هذه الآية أمر النبي عليا أن يهئ له طعاما، وهو رجل شاة وعشرة أقراص من الخبز وقعبا (2) من اللبن، ثم دعا قومه من آل هاشم وهم: بنو عبد المطلب، وكانوا أنذاك أربعين رجلا، يزيدون واحدا أو ينقصونه مثله، فقدم لهم ذلك الطعام، فأكلوا منه حتى شبعوا، وبقي الطعام على حاله كأن لم تمد إليه الأيدي، وأن الواحد منهم ليأكل الجذعة (3) ويشرب الفرق (4). ثم قال لهم: " أيكم يؤازرني ليكون أخي ووارثي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي "، - قالها ثلاثا - فلما