كالامساك عن الطعام المدة المديدة التي ليست في وسع أبناء نوعه، وكالتحريك أو الحركة (1) الخارجة عن وسع مثله، كما يشاهد من طوفانات تقع باستدعائهم وزلازل واستنزال عقوبات، وخسف بقوم حق عليهم القول، واستشفاء المرضى، واستسقاء العطشى، وخشوع (2) عجم الحيوانات وغيرها، أن لا يبادر إلى التكذيب، فإنه عند الاعتبار يجد تلك الأمور ممكنة في الطبيعة.
أما الامساك عن القوت، فتأمل امكانه فينا بل وجوده عند عروض عوارض غريبة لنا: إما بدنية كالأمراض الحادة، وإما نفسانية كالخوف والغم.
وسبب الامساك في حال المرضى. أما في الأمراض البدنية، فان القوى الطبيعية تشتغل بهضم المواد الرديئة عن تحريك المواد المحمودة، فتجد المواد المحمودة حينئذ، محفوظة قليلة التحلل، غنية عن طلب البدل لما يتحلل، فربما انقطع الغذاء عن صاحبها مدة لو انقطع مثله عنه في غير حالته تلك عشر تلك المدة هلك، وهو مع ذلك محفوظ الحياة.
وأما النفسانية، فإنه قد يعرض بعروض الخوف للخائف سقوط الشهوة، وفساد الهضم، والعجز عن الأفعال الطبيعية التي كان متمكنا منها قبل الخوف، لوقوف القوى الطبيعية عن أفعالها بسبب اشتغال النفس بما أهمها عن الالتفات إلى تدبير البدن.
وإذا عرفت امكان ذلك بسبب العوارض الغريبة، فاعلم أن تحققه في حق العارف هو توجه نفسه بالكلية إلى عالم القدس، المستلزم لتشييع القوى البدنية لها، وذلك أن النفس المطمئنة إذا راضت القوى البدنية، انجذبت القوى خلفها في مهماتها التي تنزعج إليها، واشتداد ذلك الانجذاب لشدة ذلك الجذب.