فإذا اشتد الاشتغال عن الجهة المولى عنها، وقفت الأفعال الطبيعية المتعلقة بالقوى النباتية، فلم يكن من التحليل الا دون ما يكون في حال المرض، لاختصاص المرض في بعض الصور بما يقتضي الاحتياج إلى الغذاء، كتحلل رطوبات البدن بسبب عروض الحرارة الغريبة المسماة بسوء المزاج الحار، لأن الغذاء إنما يكون لسد بدل ما يتحلل من تلك الرطوبات، وشدة الحاجة إلى الغذاء إنما يكون بحسب كثرة التحلل، وكقصور القوى البدنية بسبب المرض المضاد لها.
وإنما الحاجة إلى حفظ تلك الرطوبات لحفظ تلك القوى، إذ كانت مادة الحرارة الغريزية المقتضية لتعادل الأركان التي لا تقوم تلك القوى الا معه، وشدة الحاجة إلى ما يحفظ تلك القوى إنما هي بحسب شدة فتورها.
وأما العرفان، فإنه مختص بأمر يوجب الاستغناء عن الغذاء، وهو سكون البدن عند اعراض القوى البدنية عن أفعالها حال متبايعتها للنفس، وانجذابها خلفها حال توجهها إلى الجناب المقدس، وتطعمها بلذة معارفة الحق، واليه الإشارة بقوله (عليه السلام):
اني لست كأحدكم أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني.
وإذا عرفت ذلك ظهر أن المرض وان اقتضى الامساك الخارق للعادة الا أن العرفان بذلك الاقتضاء أولى.
وأما القدرة على الحركة التي تخرج عن وسع مثله، فهي أيضا ممكنة.
وبيانها: انك علمت أن مبدأ القوى البدنية هو الروح الحيواني، فالعوارض الغريبة التي تعترض للانسان تارة يقتضي انقباض الروح بحركة إلى داخل، كالخوف والحزن، وذلك يقتضي انحطاط القوى وسقوطها، وتارة يقتضي حركته إلى خارج كالغضب، أو انبساطا معتدلا كالفرح المطرب والانتشار المعتدل، وذلك يقتضي ازدياد القوة ونشاطها.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أنه لما كان فرح العارف ببهجة الحق أتم وأعظم من فرح من عداه بما عداه، وكانت الغواشي التي تغشاه وتحركه اعتزازا بالحق وحمية ربانية