له من الأهوال بعده.
ولما ذكر له عليا (عليه السلام) تأوه لعلمه بأنهم لا يطيعونه ولا ينقادون له، وأكد ذلك بقوله (ولن تفعلوا إذا أبدا) وبالغ في التأكيد والترغيب بقوله (والله لئن فعلتموه ليدخلنكم الجنة) تسجيلا عليهم وتفريعا وحسما لمواد التعليقات الفاسدة والأعذار الواهية.
ومنها: سلوكه (صلى الله عليه وآله) مسلك التقية، حيث لم يصرح بعدم صلوح الجبتين للخلافة الحقيقية والرسالة الدينية والدنيوية، بل أعرض عن ذلك وأشعره به بتأوه ثالثا عند ذكره عليا (عليه السلام).
والسر في ذلك أنه (صلى الله عليه وآله) كرر النص عليه (عليه السلام) بالإمامة والوصية على وجه لا يقبل التأويل، وبين الصريح من الرغوة في مواضع متعددة ومجالس متبددة، تارة بالوصف، وأخرى بالتسمية، وثالثة بالتعريض، وآونة (1) بالتصريح، وطورا بالخطابة والترغيب، وطورا بالوعظ والترهيب.
ويجدهم مع ذلك لا يفيدهم ذلك التكرير الا نبض عروق الحسد والعناد، واستحكام أسباب الفتنة والفساد، حتى كأن نصه (صلى الله عليه وآله) ليس حجة قاطعة للعذر عندهم، ولا مدركا منتجا لسكون النفس واطمئنان القلب لديهم، كما يعلم من تتبع سيرهم وأخبارهم، فلا جرم كان الأحرى حينئذ سلوك مسلك المجارات وارخاء العنان، كما لا يخفى على ذوي الأذهان.
ومنها: أن ترك بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) والخروج عن ربقة طاعته ناش عن فرط العصبية والعناد، وشدة العداوة وعدم التقيد بقيود الشرع، كما يدل عليه الحديث بالفحوى، ويشهد به تأوهه (صلى الله عليه وآله) أخيرا، وقوله (ولن تفعلوه إذا أبدا) تقريعا لهم وتهجينا وتسجيلا عليهم في ذلك وتقبيحا.