الثالث قالت هاجر: يا خليل الله إن ههنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا أفتأذن لهم في ذلك؟ فقال إبراهيم: نعم وأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم فضربوا خيامهم، فأنست هاجر وإسماعيل بهم، فلما رآهم إبراهيم في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا، فلما تحرك إسماعيل عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة و شاتين وكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها، فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم أن يبني البيت فقال: يا رب في أي بقعة؟ قال: في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم، فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام النوح عليه السلام فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا إلا موضع البيت، فسميت البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق، فلما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت لم يدر في أي مكان يبنيه، فبعث الله جبرئيل فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة، وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج، فلما مسته أيدي الكفار اسود فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوي، فرفعه في السماء تسعة أذرع، ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الان، وجعل له بابين بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب، والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم ألقى عليه الشجر والإذخر، وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها وكانوا يكونون تحته، فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم وإسماعيل، ونزل عليهما جبرئيل يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال: يا إبراهيم قم فارتو من الماء لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك، ثم أخرجه إلى منى فبات بها ففعل به ما فعل بآدم عليه السلام فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت " رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر " قال: من ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم ويعودوا إليه (1).
(٣٨)