وهو المقابل بقوله: الغنا غنى النفس، والمعنى بقولهم: من عدم القناعة لم يفده المال غنى.
الرابع: الفقر إلى الله المشار إليه بقوله: اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك، وإياه عنى تعالى بقوله: " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " (1) وبهذا ألم الشاعر فقال:
ويعجبني فقري إليك ولم يكن * ليعجبني لولا محبتك الفقر ويقال: افتقر فهو مفتقر وفقير، ولا يكاد يقال فقر وإن كان القياس يقتضيه وأصل الفقير هو المكسور الفقار. انتهى (2).
وهذا أحسن ما قيل في هذا المقام، ومنهم من حمل سواد الوجه على المدح أي إنه كالخال الذي على وجه المحبوب فإنه يزينه ولا يشينه، وقيل: المراد بالوجه ذات الممكن، ومن الفقر احتياجه في وجوده وسائر كمالاته إلى الغير، وكون ذلك الاحتياج بسواد وجهه عبارة عن لزومه لذاته، بحيث لا ينفك كما لا ينفك السواد عن محله، ولا يخفى بعدهما، والأظهر حمله مع صحته على الفقر المذموم كما مر.
وقال الغزالي في شرح هذا الخبر: إذ الفقر مع الاضطرار إلى ما لابد منه قارب أن يوقع في الكفر، لأنه يحمل على حسد الأغنياء، والحسد يأكل الحسنات وعلى التذلل لهم بما يدنس به عرضه، وينثلم به دينه، وعلى عدم الرضا بالقضاء وتسخط الرزق، وذلك إن لم يكن كفرا فهو جار إليه، ولذلك استعاذ المصطفى من الفقر.
وقال بعضهم: لان أجمع عندي أربعين ألف دينار حتى أموت عنها أحب إلي من فقر يوم وذل في سؤال الناس، ووالله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتليت ببلية من فقر أو مرض، فلعلي أكفر ولا أشعر، فلذلك قال: كاد الفقر أن يكون كفرا