الدنيا ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار، فقال له أبي: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلى، ويرقد فيها الساهر، ويفيق المغمي عليه، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين، وفي الآخرة للعاملين لها، ودليلا واضحا وحجابا بالغا على الجاحدين المنكرين التاركين لها.
قال: فصاح النصراني صيحة ثم قال: بقيت مسألة واحدة، والله لاسألنك عن مسألة لا تهتدي إلى الجواب عنها أبدا فأسألك؟ فقال له أبي: سل فإنك حانث في يمينك، فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد، عمر أحدهما خمسون ومائة سنة، والاخر خمسون سنة في دار الدنيا.
فقال له أبي: ذلك عزير وعزرة ولدا في يوم واحد، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاما مر عزير على حماره راكبا على قرية بأنطاكية، وهي خاوية على عروشها، فقال: أنى يحيى الله هذه بعد موتها، وقد كان اصطفاه وهداه فلما قال ذلك القول، غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطا عليه بما قال، ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه.
فعاد إلى داره. وعزرة أخوه لا يعرفه، فاستضافه فأضافه، وبعث إلى ولد عزرة وولد ولده وقد شاخوا وعزير شاب في سن ابن خمس وعشرين سنة، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكرهم، ويقولون ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور، ويقول له عزرة وهو شيخ ابن مائة وخمس وعشرين سنة ما رأيت شابا في سن خمس وعشرين سنه أعلم بما كان بيني وبين أخي عزيز أيام شبابي منك، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض؟
فقال عزير لأخيه عزرة: أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني، فأماتني مائة سنة، ثم بعثني ليزدادوا بذلك يقينا إن الله على كل شئ قدير، وها هو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله لي كما كان يعيدها فأيقنوا، فأعاشه الله بينهم خمسا وعشرين سنة ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد.