فلما اضطر الامر إلى هذا لم نجد جنسا في هذا الخلق أشهر جنسا من العرب الذي منه صاحب الملة والدعوة المنادي باسمه على الصوامع في كل يوم خمس مرات فتصل دعوته إلى كل بر وفاجر، وعالم وجاهل، مقر ومنكر في شرق الأرض وغربها، ولو جاز أن يكون في غير هذا الجنس من الحبش والبربر والروم والخزر والترك والديلم لأتى على الطالب المرتاد دهر من عمره ولا يجد إلى وجوده سبيلا فلما لم يجب أن يكون إلا في هذا الجنس لهذه العلة وجب أن لا يكون من هذا الجنس إلا في هذا النسب، ومن هذا النسب إلا في هذه القبيلة، ومن هذه القبيلة إلا في هذا البيت، وأن يكون من النبي صلى الله عليه وآله إشارة إليه وإلا ادعاها جميع أهل هذا البيت وأما التي في نعت نفسه فهو كما وصفناه.
قال له عبد الله بن زيد الأباضي: لم زعمت أن الامام لا يكون إلا معصوما؟
قال: إن لم يكن معصوما لم يؤمن عليه أن يدخل في الذنوب والشهوات، فيحتاج إلى من يقيم عليه الحدود، كما يقيمها هو على ساير الناس، وإذا استوت حاجة الامام وحاجة الرعية لم يكونوا بأحوج إليه منه إليهم، وإذا دخل في الذنوب والشهوات لم يؤمن عليه أن يكتمها على حميمه وقرابته ونفسه، فلا يكون فيه سد حاجة.
قال: فلم زعمت أنه أعلم الناس بدقيق الأشياء وجليلها؟ قال: لأنه إذا لم يكن كذلك لم يؤمن عليه أن يقلب الاحكام والسنن، فمن وجب عليه الحد قطعه، ومن وجب عليه القطع حده، ومن وجب عليه الأدب أطلقه، ومن وجب عليه الاطلاق حبسه، فيكون فسادا بلا صلاح.
قال: فلم زعمت أنه أسخى الناس؟ قال: لأنه خازن المسلمين الذي يجتمع عنده أموال الشرق والغرب، فإن لم تهن عليه الدنيا بما فيها شح على أموالهم فأخذها.
قال: فلم قلت: أنه أشجع الناس؟ قال: لأنه فئة المسلمين الذين يرجعون إليه والله تبارك وتعالى يقول: " ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو