في كتب الكلام، كالتجريد وغيره، لكن بعد التأمل والتحقيق يظهر أن الذي ينفونه منهما لا ينافي ظواهر الآيات والاخبار، كثيرا، بل يرجع إلى مناقشة لفظية لأنهم قائلون بأن التوبة ترفع العقاب، وأن الموت على الكفر تبطل ثواب جميع الأعمال، لكن الأكثر يقولون: ليس هذا بالاحباط، بل باشتراط الموافاة على الايمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق، وفي الوعد بالثواب على القول بعدم الاستحقاق، وكذا يمكنهم القول بأحد الامرين في المعاصي التي وردت أنها حابطة لبعض الحسنات، من غير قول بالحبط، بأن يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطا بعدم صدور تلك المعصية وأما التوبة والأعمال المكفرة فلا حاجة إلى ارتكاب أمثال ذلك فيها، إذ في تجويز التفضل والعفو، كما هو مذهبنا غنى عنها، وأيضا لا نقول باذهاب كل معصية كل طاعة وبالعكس كما ذهب إليه المعتزلة، بل نتبع في ذلك النصوص الواردة في ذلك، فكل معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات أو بعضها نقول به وبالعكس، تابعين للنص في جميع ذلك ومن أصحابنا من لم يقل بالموافاة، ولا بالاحباط، بل يقول: كل من الايمان والكفر يتحقق بتحقق شروطه المقارنة، وليس شئ من استحقاق الثواب والعقاب مشروطا بشرط متأخر، بل إن تحقق الايمان تحقق استحقاق الثواب وإن تحقق الكفر تحقق معه استحقاق العقاب، فان كفر بعد الايمان كان كفره اللاحق كاشفا عن أنه لم يكن مؤمنا سابقا ولم يكن مستحقا للثواب عليه وإطلاق المؤمن عليه بمحض اللفظ، وبحسب الظاهر، وإن آمن أحد بعد الكفر زال كفره الأصلي بالايمان اللاحق، وسقط استحقاقه العقاب لعفو الله تعالى لا بالاحباط ولا لعدم الموافاة، كما يقول الآخرون وتفصيل هذا المطلب وتنقيحه يحتاج إلى إيراد مقاصد الأول: أن النافين للحسن والقبح، لا يثبتون استحقاق شئ من الثواب والعقاب بشئ من الأعمال، بل
(١٩٩)