العقل يجزم بعدم مساواة من أعقب كثيرا من الطاعة بقليل من المعصية، مع من اكتفى بالفضل بينهما حسب، وعدم مساواة من أعقب أحدهما بما يساوي الاخر، مع من لم يفعل شيئا ثم إنه يمكن أن يسقط العقاب المتقدم عند الطاعة المتأخرة على سبيل العفو وهو إسقاط الله تعالى ما يستحقه على العبد من العقوبة، وهو الظاهر من مذاهب أصحابنا رضي الله عنهم وأما الثواب فلا يتصور فيه ذلك، ويمكن أن يكون الوعد بالثواب على الطاعة المتقدمة أو استحقاقه مشروطا بعدم معاقبة المعصية لها، كما يشترط ثواب الايمان والطاعات بالموافاة على الايمان، بأن يموت مؤمنا عند كثير من أصحابنا لكن ذلك الاشتراط ليس بعام لجميع المعاصي بل مخصوص بمقتضى النصوص ببعضها، وليس كل ما ورد بطلان الطاعة بسببه مما يقطع باشتراط الثواب به، لان كلا منها أخبار آحاد لا تفيد القطع نعم ربما حصل القطع بأن شيئا من تلك المعاصي يشترط استمرار انتفائه لاستحقاق الثواب، أو هو شرط في الوعد به، والفرق بين هذا وبين الاحباط ظاهر من وجوه:
الأول أن إبطال الثواب في الاحباط من حيث التضاد عقلا بين الاستحقاقين وههنا من جهة اشتراطه شرعا بنفي المعصية الثاني أن المنافاة هناك بين الاستحقاقين، فلو لم يحصل استحقاق العقاب لانتفاء شرطه، لم يحصل الاحباط، وههنا بنفس المعصية ينتفي الثواب أو استحقاقه إن ثبت وكان مستمرا، وإن توقف أصل الاستحقاق على استمرار النفي لم يحصل أصلا وإنما يحصل في موضع الحصول بالموت ولا يختلف الحال باستحقاق العقاب على (تلك) المعصية، لاستجماع شرائطه وعدمه لفقد شئ منه، كمنع الله تعالى لطفا معلوما عن المكلف، وكما لو أعلم الله تعالى المكلف أنه يغفر له ويعفو عن جميع معاصيه، فكان مغريا له بالقبيح، وكما لو لم يقع فعل القبيح ولا الاخلال بالواجب عن المكلف على سبيل إيثاره على فعل الواجب