المالك للعباد عندهم قادر على الثواب والعقاب، ومالك للتصرف فيهم كيف شاء وليس من شأن فعله في خلقه استحقاق الذم، بل ولا المدح، وكلاهما اصطلاح ومواضعة من الشارع وأما المثبتون لهما فلا كلام عندهم في استحقاق العقاب، نعم ربما قيل: بعدم استقلال العقل فيه، ضرورة أو نظرا، وأما الثواب فعند بعضهم مما يستحقه العبد بطاعته، وإليه يذهب جماعة من أصحابنا ويحتجون لذلك بأن إلزام المشقة بدون التزام نفع في مقابله قبيح، وربما يوجه عليه أن التزام النفع في مقابله إنما يلزم لو لم تسبق النعم عليه، بما يحسن إلزام المشقة بإزائها، والفرق بين النفع المستقبل والنعمة الماضية تحكم، وربما كفى في إلزام المشقة حسن العمل الشاق ولم يحتج في حسن الالزام إلى أزيد منه، ولهذا ذهب بعض أصحابنا وغيرهم إلى أن الثواب تفضل ووعد منه تعالى بدون استحقاق للعبد وهو الظاهر من كلام أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم، ويدل عليه كثير من الاخبار والأدعية الثاني أن الثواب والعقاب هل يجب دوامهما أم لا، فذهب المعتزلة إلى الأول وطريقه العقل عندهم، والصحيح عند أصحابنا أنه لا يجب عقلا.
وأما شرعا فالثواب دائم وكذا عقاب الكفر إجماعا من المسلمين إلا ما نقل من شذاذ من المتصوفين الذين لا يعدون من المسلمين وأما عقاب المعاصي فمنقطع: ويكفي هنا عدم وجدان طريق عقلي إلى دوامهما وفي عبارة التجريد في هذا المطلب تناقض يحتاج إلى تكلف تام في دفعه الثالث أن الاحباط بالمعنى الذي ذكرناه من إفناء كل من الاستحقاقين للاخر أو المتأخر للمتقدم باطل عند أصحابنا، ومذهب أبي علي وهو بقاء المتأخر وفناء المتقدم مناف للنصوص الكثيرة المتضمنة لعدم تضييع العمل، وأما مذهب أبي هاشم فلا ينافي ظواهر النصوص لأنه إذا أفنى المتقدم المتأخر أيضا فليس بضايع ولامما لم يره العامل، لكن الظاهر أن ما ذهب إليه من إبطاله له من جهة المنافاة بينهما، فليس بصحيح إذ لا منافاة عقلا بين الثواب والعقاب واستحقاقهما، بل يكاد