صالحا فلأنفسهم يمهدون " (1) 59 - نهج البلاغة: ومن كلام له عند تلاوته " يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم " (2) أدحض (3) مسؤول حجة، وأقطع مغتر معذرة، لقد أبرح جهالة بنفسه (4) يا أيها الانسان ما غرك بربك؟ وما جرأك على ذنبك؟ وما آنسك بهلكة نفسك؟
أما من دائك بلول؟ (5) أم ليس من نومتك يقظة؟ أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرها؟ فلربما ترى الضاحي لحر الشمس فتظله أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له؟ فما صبرك على دائك؟ وجلدك على مصائبك؟ وعزاك من البكاء على نفسك؟ وهي أعز الأنفس عليك؟ وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة (6) وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته؟
فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة، ومن كرى الغفلة في ناظرك بيقظة وكن لله مطيعا، وبذكره آنسا، وتمثل في حال توليك عنه إقباله عليك، يدعوك إلى عفوه، ويتغمدك بفضله وأنت متول عنه إلى غيره فتعالى من قوي ما أكرمه (وأحلمه) وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته وأنت في كنف ستره مقيم، وفي سعة فضله متقلب، فلم يمنعك فضله ولم يهتك عنك ستره بل لم تخل من لطفه مطرف عين، في نعمة يحدثها لك أو سيئة يسترها عليك أو بلية يصرفها عنك فما ظنك به لو أطعته