ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء. وفي حديث ابن مسعود بعد ذلك: علمه من علمه وجهله من جهله.
أقول: قال بعضهم: المراد بالانزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي مثلا، أو عبر بالانزال عن التقدير. وفي بعض الأخبار التقييد بالحلال، فلا يجوز التداوي بالحرام. وفي حديث جابر الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله تعالى، وذلك أن الدواء قد تحصل له مجاوزة الحد في الكيفية أم الكمية فلا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر. وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره، وأنها لا تنجع بدوائها بل بما قدره الله تعالى فيها، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله تعالى. وإليه الإشارة في حديث جابر " بإذن الله " فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته.
والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات، والدعاء لطلب العافية ورفع المضار وغير ذلك. ويدخل في عمومه أيضا الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وبالعجز عن مداواته.
ولعل الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله " وجهله من جهله " إلى ذلك، فتكون باقية على عمومها. ويحتمل أن يكون في الخبر حذف، تقديره: لم ينزل داء يقبل الدواء إلا أنزل له شفاء. والأول أولى. ومما يدخل في قوله " جهله من جهله " ما يقع لبعض المرضى أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ، ثم يعتريه ذلك الداء بعينه، فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع. والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين تشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبا فيقع الخطاء من هناك، وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع، فلا ينجع وهناك تخضع رقاب الأطباء.
وقد روى أنه قيل: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به، هل يرد من قضاء الله شيئا؟ قال: هي من أقدار الله تعالى. والحاصل أن حصول