وقد جاء في أحاديث كثيرة النهي عن الكي، فقيل: إنما نهي عنه من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره ويرون أنه يحسم الداء، وإذا لم يكو العضو عطب وبطل. فنهاهم إذا كان على هذا الوجه، وأباحه إذا جعل سببا للشفاء لا علة له، فإن الله تعالى هو الذي يبرئه ويشفيه لا الكي والدواء، وهذا أمر تكثر فيه شكوك الناس، يقولون:
لو شرب الدواء لم يمت، ولو أقام ببلده لم يقتل، وقيل: يحتمل أن يكون نهيه عن الكي إذا استعمل على سبيل الاحتراز من حدوث المرض وقبل الحاجة إليه، وذلك مكروه، وإنما أبيح للتداوي والعلاج عند الحاجة، ويجوز أن يكون النهي عنه من قبيل التوكل، كقوله " هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون " والتوكل درجة أخرى غير الجواز، والله أعلم.
الثانية: روى الخطابي أيضا عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: إن كان في شئ من أدويتكم خير ففي شرطة حجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي.
ثم قال: الطب على نوعين: الطب القياسي، وهو طب اليونانيين الذي يستعمله أكثر الناس في أوسط بلدان أقاليم الأرض، وطب العرب والهند، وهو الطب التجاربي.
وإذا تأملت أكثر ما يصفه النبي صلى الله عليه وآله من الدواء إنما هو على مذهب العرب إلا ما خص به من العلم النبوي الذي طريقه الوحي، فإن ذلك فوق كل ما يدركه الأطباء أو يحيط به حكمة الحكماء والألباء، وقد يكون بعض تلك الأشفية من ناحية التبرك بدعائه وتعويذة ونفثه، وكل ما قاله من ذلك وفعل صواب، وحسن جميل، يعصمه الله أن يقول إلا صدقا وأن يفعل إلا حقا - انتهى -.
وقد أومأنا إلى علة تخصيص الحجامة في أكثر الاخبار بالذكر وعدم التعرض للفصد فيها، لكون الحجامة في تلك البلاد أنفع وأنجح من الفصد، وإنما ذكر الفصد في بعض الأخبار عن بعضهم عليهم السلام بعد تحولهم عن بلاد الحجاز إلى البلاد التي الفصد