أي مع أنهم أقرب مودة لأهل الاسلام، ولهذا خص الملائكة بالمقربين منهم لكونهم أفضل.
والجواب: أن الكلام سيق لرد مقالة النصارى وغيرهم في المسيح وادعائهم فيه مع النبوة البنوة، بل الألوهية والترفع عن العبودية، لكونه روح الله ولد بلا أب لكونه يبرئ الأكمه والأبرص، والمعنى: لا يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو فوقه في هذا المعنى، وهم الملائكة الذين لا أب لهم ولا أم، ولا يقدرون على ما لا يقدر عليه عيسى عليه السلام، ولا دلالة على الأفضلية بمعنى كثرة الثواب وسائر الكمالات ألا ترى أن فيما ذكرت من المثال لم يقصد الزيادة والرفعة في الفضل والشرف والكمال بل في ما هو مظنة الاستنكاف والرضا كالغلبة والاستكبار والاستعلاء في السلطان وقرب المودة في النصارى.
ومنها: اطراد تقديم ذكر الملائكة على ذكر الأنبياء والرسل، ولا تعقل له جهة سوى الأفضلية.
والجواب: أنه يجوز أن يكون بجهة تقدمهم في الوجود، أو في قوة الايمان بهم والاهتمام به لأنه أخفى، فالايمان بهم أقوى وبالتحريص عليه أحرى.
واما العقليات: فمنها أن الملائكة روحانيات مجردة في ذاتها، متعلقة بالهياكل العلوية، مبرأة عن ظلمة المادة، وعن الشهوة والغضب اللذين هما مبدءا الشرور والقبائح، متصفة بالكمالات العلمية والعملية بالفعل، من غير شوائب الجهل والنقص والخروج عن القوة إلى الفعل على التدريج ومن احتمال الغلط، قوية على الأفعال العجيبة، وإحداث السحب والزلازل وأمثال ذلك، مطلعة على أسرار الغيب، سابقة إلى أنواع الخير، ولا كذلك حال البشر.
والجواب: أن مبنى ذلك على قواعد الفلسفة دون الملة.
ومنها: أن أعمالهم الموجبة للمثوبات أكثر لطول زمانهم، وأدوم لعدم تخلل الشواغل، وأقوم لسلامتها عن مخالطة المعاصي المنقصة للثواب، وعلومهم أكمل وأكثر لكونهم نورانيين يشاهدون اللوح المحفوظ المنتقش بالكائنات وأسرار المغيبات.