كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه " اسكندروس " ويقال: كان اسمه " عياش " وكان عبدا صالحا، فلما استحكم ملكه واستجمع أمره أوحى الله إليه: يا ذا القرنين! إني بعثتك إلى جميع الخلق ما بين الخافقين وجعلتك حجتي عليهم، وهذا تأويل رؤياك وإني باعثك إلى أمم الأرض كلهم وهم سبع أمم مختلفة ألسنتهم، منهم أمتان بينهما عرض الأرض، وأمتان بينهما طول الأرض، وثلاث أمم في وسط الأرض، وهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج.
فأما الأمتان اللتان بينهما طول الأرض فأمة عند المغرب يقال لها " ناسك " وأمة أخرى بحيالها عند مطلع الشمس يقال لها " منسك " وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها " هاويل " وأمة في قطر الأرض الأيسر يقال لها " قاويل " فلما قال الله سبحانه ذلك قال ذو القرنين: إلهي إنك قد ندبتني إلى أمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت فأخبرني عن الأمم التي بعثتني إليها بأي قوة أكاثرهم؟ أو بأي جمع وحيلة أكابرهم؟ وبأي صبر أقاسيهم؟ وبأي لسان أناطقهم؟ وكيف لي بأن أفهم لغاتهم؟ وبأي سمع أسمع أقوالهم؟ وبأي بصر أنفذهم؟ وبأي حجة أخاصمهم؟
وبأي عقل أعقل عنهم؟ وبأي قلب وحكمة أدبر أمورهم؟ وبأي قسط أعدل بينهم؟
وبأي حلم أصابرهم؟ وبأي معرفة أفصل بينهم؟ وبأي علم أتقن أمورهم؟ وبأي يد أستطيل عليهم؟ وبأي رجل أطأهم؟ وبأي طاقة أحصيهم؟ وبأي جند أقاتلهم؟
وبأي رفق أتألفهم؟ وليس عندي يا إلهي شئ مما ذكرت يقوم لهم ويقوى عليهم و أنت الرؤف الرحيم الذي لا تكلف نفسا إلا وسعها ولا تكلفها إلا طاقتها. فقال الله عز وجل: إني سأطوقك ما حملتك: أشرح لك سمعك فتسمع كل شئ وتعي كل شئ وأشرح لك فهمك فنفقه كل شئ، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شئ، وأفتح لك بصرك فتنفذ كل شئ، وأحصي لك فلا يفوتك شئ، وأشد لك عضدك فلا يهولك شئ وأشد لك ركنك فلا يغلبك شئ، وأشد لك قلبك فلا يفزعك شئ، وأشد لك يدك فتسطو فوق كل شئ وأشد لك وطأتك فتهد على كل شئ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شئ، وأسخر الظلمة من ورائك. فلما قيل له ذلك حدث نفسه بالمسير وألح