في رؤية المرئي بسبب القرب والبعد إنما هو تابع لاختلاف الزاوية الحاصلة عند مركز الجليدية في رأس المخروط الشعاعي بحسب التوهم أو بحسب الواقع عند انطباق قاعدته على سطح المرئي، فكلما قرب المرئي عظمت تلك الزاوية، وكلما بعد صغرت. وقد تقرر أيضا بين محققيهم أن رؤية الشئ على ما هو عليه إنما هو (1) في حالة يكون البعد بين الرائي والمرئي على قدر يقتضي أن تكون الزاوية المذكورة قائمة. فبناء على ذلك إذا فرضت الزاوية المذكورة بالنسبة إلى مرئي قائمة يجب أن يكون البعد بين رأس المخروط وقاعدته المحيطة بالمرئي بقدر نصف قطر قاعدته على ما تقرر في الأصول. فلما كان قطر الأرض أزيد من ألفي فرسخ بلا شبهة لا تكون مرئية على ما هي عليه من دون ألف فرسخ، ومعلوم أن الجبال والوهاد المذكورة غير محسوسة عادة عند هذا البعد من المسافة فلا يكون لها قدر محسوس عند الأرض بالمعنى الذي مهدنا.
ثم إنهم استعلموا بزعمهم مساحة الأرض وأجزاءها ودوائرها في زمان المأمون وقبله فوجدوا مقدار محيط الدائرة العظمى من الأرض ثمانية آلاف فرسخ، وقصرها ألفين وخمسمائة وخمسة وأربعين فرسخا ونصف فرسخ تقريبا، ومضروب القطر في المحيط مساحة سطح الأرض وهي عشرون ألف ألف وثلاثمائة وستون ألف فرسخ وربع ذلك مساحة الربع المسكون من الأرض. وأما القدر المعمور من الربع المسكون وهو ما بين خط الاستواء والموضع الذي عرضه بقدر تمام الميل الكلي فمساحته ثلاثة آلاف ألف وسبعمائة وخمسة وستين ألفا وأربعمائة وعشرين فرسخا وهو قريب من سدس سطح جميع الأرض وسدس عشره. والفرسخ ثلاثة أميال بالاتفاق، وكل ميل أربعة آلاف ذراع عند المحدثين، وثلاثة آلاف عند القدماء، وكل ذراع أربع و عشرون إصبعا عند المحدثين، واثنان وثلاثون عند القدماء، وكل إصبع بالاتفاق مقدار ست شعيرات مضمومة بطون بعضها إلى ظهور بعض من الشعيرات المعتدلة.
وذكروا أن للأرض ثلاث طبقات: الأولى: الأرض الصرفة المحيطة بالمركز