عليه قومه بالمقام فلم يفعل وقال: لا بد من طاعة الله تعالى.
ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا وأن يجعلوا طول المسجد أربعمأة ذراع، وأمرهم أن لا ينصبوا فيه السواري. قالوا كيف نصنع؟ قال: إذا فرغتم من بنيان الحائط فاكبسوها بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد، فإذا فرغتم فرضتم من الذهب على الموسر قدره وعلى المقتر قدره، ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر، ثم خلطتموه بذلك الكبس وجعلتم خشبا من نحاس، ووتدا من نحاس، وصفائح من نحاس تذيبون ذلك وأنتم تمكنون من العمل كيف شئتم على أرض مستوية. وجعلتم طول كل خشبة مأتي ذراع وأربعة وعشرين ذراعا: مأتا ذراع في ما بين الحائطين لكل حائط اثنا عشر ذراعا ثم تدعون المساكين لنقل التراب فيتسارعون إليه لأجل ما فيه من الذهب والفضة فمن حمل شيئا فهو له. ففعلوا ذلك، فأخرج المساكين التراب واستقر السقف بما عليه و استغنى المساكين، فجندهم أربعين ألفا، وجعلهم أربعة أجناد في كل جند عشرة آلاف ثم عرضهم فوجدهم في ما قيل ألف ألف وأربعمأة ألف رجل منهم من جنده ثمانمأة ألف ومن جند دارا (1) ستمأة ألف ومن المساكين أربعين ألفا. ثم انطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس، فذلك قوله تعالى " حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة " أي ذات حمأة. ومن قرأ " حامية " بالألف من غير همز فمعناها: حارة.
فلما بلغ مغرب الشمس وجد جمعا وعددا لا يحصيهم إلا الله تعالى وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله عز وجل " ورأي ألسنة مختلفة وأهواء متشتة وذلك قول الله تعالى " ووجد عندها قوما " يعني ناسا كثيرة يقال لها " ناسك " فلما رأى ذلك كاثرهم بالظلمة، فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها فأحاط بهم من كل مكان حتى جمعهم في مكان واحد، ثم أخذ عليهم بالنور فدعاهم إلى الله عز وجل وعبادته " فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأحداقهم وأجوافهم، ودخلت في بيوتهم ودورهم، وغشيهم من فوقهم ومن كل جانب منهم، فهاجوا فيه وتحيروا، فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا إليه بصوت واحد