فبكى وقال: يا ذا القرنين! وما عبادتكم عند عبادتنا؟! إن في السماء من الملائكة من هو قائم أبدا لا يجلس، ومنهم الساجد لا يرفع رأسه أبدا، ومنهم الراكع لا يستوي قائما أبدا، يقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح، ربنا ما عبدناك حق عبادتك. فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ثم قال: إني لأحب أن أعيش فأبلغ من عبادة ربي حق طاعته! فقال رفائيل: أو تحب ذلك يا ذا القرنين؟ قال: نعم، فقال رفائيل: فإن لله تعالى عينا في الأرض تسمى " عين الحياة " فيها من الله عز وجل عزيمة أنه من شرب منها لم يمت أبدا حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت! فقال ذو القرنين هل تعلمون أنتم موضع تلك العين؟ فقال: لا، غير أنا نتحدث في السماء أن لله تعالى في الأرض ظلمة لا يطأها إنس ولا جان، فنحن نظن أن تلك العين في تلك الظلمة.
فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة فقال لهم:
أخبروني هل وجدتم في ما قرأتم من كتب الله تعالى وما جاءكم من أحاديث الأنبياء و من كان قبلكم من العلماء أن الله تعالى وضع في الأرض عينا سماها " عين الحياة "؟
فقالت العلماء: لا، فقال عالم من العلماء - واسمه " فتحيز (1) " - إني قرأت وصية آدم فوجدت فيها أن الله خلق في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان ووضع فيها عين الخلد. فقال ذو القرنين: صدقت. ثم حشد إليه الفقهاء والاشراف والملوك وسار يطلب مطلع الشمس، فسار اثني عشرة سنة إلى أن بلغ طرف الظلمة، فإذا ظلمة تفور مثل الدخان ليست بظلمة ليل، فعسكر هناك ثم جمع علماء عسكره فقال: إني أريد أن أسلك هذه الظلمة! فقال العلماء: أيها الملك إنه من كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها، فإنا نخاف أن ينفتق عليك أمر تكرهه ويكون فيه فساد أهل الأرض. فقال: لا بد من أن أسلكها. فقالوا: أيها الملك كف عن هذه الظلمة ولا تطلبها، فإنا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط الله علينا لا تبعناك ولكنا نخاف العنت من الله تعالى وفسادا في الأرض ومن عليها. فقال