به فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه ولم يسمعوا (1) منه، فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف من يده، ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا لعلك قتلت أمير المؤمنين؟ فأراد أن يقول لا، قال: نعم! فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه، ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله، وأما ابن ملجم فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في يده، ثم صرعه وأخذ السيف من يده، وجاء به إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وأفلت الثالث وانسل (2) بين الناس.
فلما دخل (3) ابن ملجم على أمير المؤمنين عليه السلام نظر إليه ثم قال: النفس بالنفس، فإن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي، فقال ابن ملجم: والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله، قال: و نادته أم كلثوم: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين؟ قال: إنما قتلت أباك، قالت:
يا عدو الله إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس، قال لها: فأراك إنما تبكين علي إذا؟ لقد والله ضربته ضربة لو قسمت على أهل الأرض (4) لأهلكتهم، فاخرج من بين يديه عليه السلام وإن الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع، وهم يقولون:
يا عدو الله ما فعلت (5)؟ أهلكت أمة محمد صلى الله عليه وآله وقلت خير الناس، وإنه لصامت لم ينطق، فذهب به إلى الحبس، وجاء الناس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا له: يا أمير المؤمنين مرنا بأمرك في عدو الله، والله لقد أهلك الأمة وأفسد الملة، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: إن عشت رأيت فيه رأيي، وإن أهلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي، اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار.