الله جميعا، خليفتي عليكم الله وكفى بالله خليفة. ثم قال: وعليكم السلام يا رسل ربي، ثم قال: " لمثل هذا فليعمل العاملون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " وعرق جبينه وهو يذكر الله كثيرا، وما زال يذكر الله كثيرا ويتشهد الشهادتين، ثم استقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه ويديه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم قضى نحبه عليه السلام، و كانت وفاته في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، وكانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة.
قال: فعند ذلك صرخت زينب بنت علي عليه السلام وأم كلثوم وجميع نسائه، وقد شقوا الجيوب ولطموا الخدود، وارتفعت الصيحة في القصر، فعلم أهل الكوفة أن أمير المؤمنين عليه السلام قد قبض، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجا أفواجا، و صاحوا صيحة عظيمة، فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب، وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أظلم الليل تغير أفق السماء وارتجت الأرض وجميع من عليها بكوه وكنا نسمع جلبة وتسبيحا في الهواء، فعلمنا أنها من أصوات الملائكة، فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر، ثم ارتفعت الأصوات وسمعنا هاتفا بصوت يسمعه الحاضرون ولا يرون شخصه يقول:
بنفسي ومالي ثم أهلي وأسرتي * فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم علي رقى فوق الخلائق في الوغى * فهدت به أركان بيت المحرم علي أمير المؤمنين ومن بكت * لمقتله البطحا وأكناف زمزم يكاد الصفا والمشعران كلاهما * يهدا وبان النقص في ماء زمزم وأصبحت الشمس المنير ضياؤها * لقتل علي لونها لون دلهم (1)