هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه؟ فقال: يا حبيبي ويا قرة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني، فقال له: خيرا رأيت وخيرا يكون فقصها علي، فقال عليه السلام: يا بني رأيت كأن جبرئيل عليه السلام قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها، وضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم، ثم ذرهما في الريح، فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت إلا ودخله من ذلك الرماد، فقال له: يا أبت وما تأويلها؟
فقال: يا بني إن صدقت رؤياي فإن أباك مقتول، ولا يبقى بمكة حينئذ ولا بالمدينة بيت إلا ويدخله من ذلك غم ومصيبة من أجلي، فقال الحسن عليه السلام: وهل تدري متى يكون ذلك يا أبت؟ قال: يا بني إن الله يقول: " وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت (1) " ولكن عهد إلي حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أنه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني ابن ملجم المرادي، فقلت له:
يا أبتاه، إذا علمت منه ذلك فاقتله، قال: يا بني لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية والجناية لم تحصل منه، يا بني لو اجتمع الثقلان الإنس والجن على أن يدفعوا ذلك لما قدروا، يا بني ارجع إلى فراشك، فقال الحسن عليه السلام: يا أبتاه أريد أمضي معك إلى موضع صلاتك، فقال له: أقسمت بحقي عليك إلا ما رجعت إلى فراشك لئلا يتنغص عليك نومك، ولا تعصني في ذلك، قال: فرجع الحسن عليه السلام فوجد أخته أم كلثوم قائمة خلف الباب تنتظره، فدخل فأخبرها بذلك، وجلسا يتحادثان وهما محزونان حتى غلب عليهما النعاس، فقاما ودخلا إلى فراشهما وناما.
قال أبو مخنف وغيره: وسار أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخل المسجد، والقناديل قد خمد ضوؤها، فصلى في المسجد ورده وعقب ساعة، ثم إنه قام وصلى ركعتين، ثم علا المئذنة ووضع سبابتيه في أذنيه وتنحنح ثم أذن وكان عليه السلام إذا أذن لم يبق في بلدة الكوفة بيت إلا اخترقه صوته.