المقام الرفيع، قد التف حوله المحصلون، واستفاد من فيوضاته الطالبون للعلم وكثر المستجيزون منه، ومن المؤكد أنه تخرج عليه جماعة وأجيز منه آخرون لكن أسماءهم ضاعت علينا كغيرهم من العلماء المنسيين الدين لم يبق لهم ذكر ولا أثر، لا سيما وأن جبل عامل قد أصيب بنكبات وفتن وغارات، وحروب طائفية تلفت بسببها الآثار والمكتبات، فقد أباد الشيخ نوح الحامدي بفتواه ضد الشيعة من مؤمني حلب وحدها أربعين ألفا أو يزيدون، وسبيت نساؤهم وهتكت أعراضهم ونهبت أموالهم وأخرج الباقون منهم من ديارهم إلى نبل والنفاولة وأم العمد و الدلبوز والفوعة وقراها، وهاجم الأمير ملحم بن الأمير حيدر بسبب تلك الفتوى جبل عامل في سنة 1147 ه (يوم وقعة أنصار) فقتل وسلب ونهب كما فصله بعض زعماء العامليين (1) وقضت حوادث الجزار وفتنه التي بدأت في أواخر القرن الثاني عشر واستمرت إلى نيف ومئتين وألف على معظم آثار العامليين ومؤلفاتهم، و كانت مكتبة الشيخ علي خاتون الذي أسره الجزار تحتوي على ما يقرب من خمسة آلاف كتاب مخطوط صارت كلها طعمة لأفران قرية عكا كما ذكره لي الحجة السيد حسن الصدر رحمه الله عن بعض المشايخ المعمرين من العامليين ممن وقف على بعض الآثار المتلوفة، كما أن بعض المكتبات دفنت تحت الدور التي هدمها الغزاة الظالمون هكذا سمعت من بعض العلماء المطلعين من آل محفوظ، وبهذه الجرائم قضي على الآثار العلمية ونسي ذكر كثير من العلماء والمؤلفين.
إننا لم نقف على أسماء أكثر من ثلاثة من الراوين عن العلامة البياضي، و نحن واثقون بأن هناك أضعاف هذا العدد قد فاتنا، إذ ليس من الممكن أن يعيش عالم كبير نحو ثمانين سنة في بلد العلم والعلماء جبل عامل، وفي القرن التاسع الذي كانت لم تزل فيه العناية بالغة بالحديث والرواية والإجازة والاستجازة، ولا يحضر عليه أو يأخذ عنه أو يستجيزه غير ثلاثة، وهذا فيما نرى من البديهيات، و