خاتمة لعل بعض من يقف على هذه الطرف يقول: كيف يمكن جحد هذه الوصايا لو كانت صحيحة بعد نشرها؟ أو يتهيأ كتمانها مع تحقق أمرها؟ فنقول حينئذ: أليس قد عرف المسلمون جحد اليهود والنصارى على كثرتهم وتفريقهم لنبوة سيد المرسلين ولا ريب أنهم أكثر عددا ممن جحد النص على أمير المؤمنين، وقد صرح الرب الجليل في عظيم التنزيل بقوله: (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (1)) فأجمعوا على كتمان النص في الكتابين، طلبا للرياسة أو لغيرها من وجوه الضلالة والمين، فكيف ينكر جحد من هو أقل منهم وأعظمهم تهورا في الضلال، نص النبي صلى الله عليه وآله على علي وعلى بقية الآل.
إن قلت: لو جاز من هذا الجم الغفير، جحد النص على البشير النذير، وجحد أكثر المسلمين النص على أمير المؤمنين جاز منهم جحد آل محمد خاتم النبيين.
قلت: جحد أهل الذمة جائز قد وقع وإن كان جحد المسلمين جائزا لم يقع ولن يقع لتواتره بينهم في كتاب ربهم، وسنة نبيهم فافترقا.
ثم نرجع فنقول: روى أهل الاسلام قول النبي صلى الله عليه وآله: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار، فهذه شهادة صريحة من النبي المختار على وصف أكثرهم بالضلال والبوار، ولا بد أن يكون الله ورسوله أوضحا لهم وجوه الضلال، لئلا يكون لهم الحجة عليهما يوم الحساب والسؤال، وبهذا يتضح وجه إمساك علي وعترته عن الجهاد، إذ كيف تقوى فرقة على أضعافها من أهل العناد، ومن فر عن أكثر من اثنين، قد عذره القرآن، فكيف لا يعذر من أمسك عن أضعافه من أهل الطغيان.
ثم نرجع أيضا ونقول: قد ملأ الله الأنفس والآفاق، بوضع الدليل على الإله الخلاق، ونصب في العقول نصوصا دالة على وجود فاعل هذه الأكوان وجود غير عاطل مدبر لها في كل آن، ومع ذلك كله فقد وقعت المكابرة من أهل الضلال من آخرين، وعدل أكثر المكلفين عن صانع العاملين، وما عرفه باليقين