وقالوا قد بكيت فقلت كلا * وهل يبكي من الطرب الجليد فيحمل طربه على كراهته.
إن قيل: فهبة العمامة تدل على رضاه. قلنا: لا، إذ جاز أن يكون ليسر عن الانصراف عنه، كما أن الله تعالى يحب قضاء حاجة الكافر كراهية منه لسماع صوته كما جاء في الحديث النبوي.
(الفصل الثاني) ولنرجع إلى النمط الأول من ذكر فضائله عليه السلام.
فعلم النحو أملا على أبي الأسود جوامعه وهذا يلحق بالمعجزات لأن القوة البشرية لا تفي بحصر الكلام في الثلاثة، والإعراب في الأربعة، وأما أحواله في الحروب فبها تضرب الأمثال، بأفواه الأولياء والأعداء من الرجال، فإنه لما دعى بصفين معاوية ليبارزه ليستريح الناس، فيقتل أحدهما وتقصر الفتنة بينهما، قال ابن العاص: قد أنصفك، قال: غششتني أتأمرني بمبارزته وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق.
وانتبه يوما فرأى ابن الزبير تحت رجليه فقال: لو شئت أن أفتك بك لفعلت قال: شجعت بعدنا؟ قال: وما تنكر من شجاعتي، وقد وقفت بإزاء علي بن أبي طالب في الصف؟ قال: لا جرم أنه قتلك وأباك بيسرى يديه، وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها.
وافتخرت أخت عمرو بقتله أخاها فقالت:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته أبدا ما دمت في الأبد لكن قاتله من لا نظير له * وكان يدعى أبوه بيضة البلد وطلب المشركون ببدر الأكفاء، فخرج وأرداهم وكان النصر بقتلهم، قال بعض الفضلاء فيهم: