وأما الجود فظاهر عليه وقد شهد له أعداؤه، فقد دخل محقن الضبي على معاوية وقال: جئتك من عند أبخل الناس، فقال: ويحك لو ملك علي بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفذ تبره قبل تبنه.
قال الشعبي: ما قال لسايل قط: لا، وناهيك بما أتى في هل أتى حين إيثاره بالطعام ثلاثا مع صيامه تلك الأيام، ونزل فيه (الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا وعلانية (1)) لما تصدق بأربعة دراهم والمخالف يزعم أن أبا بكر أنفق أمواله على النبي الذي هو أفضل من المسكين واليتيم والأسير، ولم ينزل فيه شئ يسير، وذلك إما لعدم الإنفاق في نفسه، أو لعدم الاخلاص فيه.
وأما الحلم فقد صفح يوم الجمل عن مروان وكان أعدى الناس عداوة له في كل أوان، وعن ابن الزبير مع شتمه لعلي جهارا، وكرم عائشة بتجهيزها إلى المدينة في عشرين امرأة عليهن لبس الرجال فقالت في الطريق: هتك ستري برجاله فلما وصلت إلى المدينة ألقين العمائم وقلن: نحن نسوة، وعفى عن أهل البصرة و الأحقاد لم تبدد، وموجبات المؤاخذة لم تشرد، وصفح عن معاوية وأصحابه حين ملك الماء بعد أن منعوه منه.
وأما الفصاحة فمنه تعلم الناس الكتابة والخطابة، ولا يخفى ما له من مفرد الكلام ومركبه، حتى اعتنى العلماء بشروحه، والنظر في كشف أسراره، كنهج البلاغة وغيره، وقد أطنب الجاحظ في كتاب البيان، في مدح علي في هذا الشأن.
وأما حسن الأخلاق، فهو المضروب به المثل على الاطلاق، قال ابن العاص:
(إن به دعابة) أخذه من قول عمر لما عزم على استخلافه: (لله أبوك لولا دعابة فيك) قال صعصعة: كان فينا كأحدنا في لين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد، و قال معاوية: رحم الله أبا حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة.
وأما زهده فهو أحد الأبدال العظام، فلم يشبع قط من طعام، يلبس الغليظ القصير، ويأكل جريش الشعير، وكان من كرامته أن الجوع لم ينقص من قوته