ولم ينقض أيده، وناهيك بنهج البلاغة في ذلك وغيره.
فمنه: والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا، وأجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، أو غاصبا لشئ من الحطام، وكيف أظلم وأجل النفس يسرع إلى البلا قفولها، ويطول في الثرى حلولها.
ومنه: والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة، ما فعلت، وإن دنياكم عندي أهون من ورقة في فم جراذة تقضمها، ما لعلي ونعيم يفنى، ولذة لا تبقى؟
ومنه: والله إن دنياكم عندي أهون من عراق خنزير في يد مجذوم.
دل هذا وغيره على غاية زهده، مع أن الدنيا بأسرها في يده لما أتقن من أصول الكيميا لما يأتي مما نقلته عنه الفضلاء.
أما غيره فزهده في الدنيا تابع لزهدها فيه فهو منقاد قهرا إليه بخلاف من أعرض عنها بحسب اختياره، كما تمدح به في بعض أشعاره:
دنيا تخادعني كأني لست أعرف حالها * مدت إلى يمينها فرددتها وشمالها ورأيتها محتاجة فوهبت جملتها لها قال الجاحظ: أبو بكر أزهد منه مات عن بعير وعبد مع كثرة الفتوح و الغنايم، ولم يتزوج من ذلك امرأة ولا اتخذ منه سرية وعلي مات عن مزارع و نخيل وأزواج وسراري. قلنا: أما زهد علي في مطعمه وملبسه فظاهر أنه لم يلحقه أحد إليه، ولا قارب ما اشتمل عليه، ولم يخلف سوى سبع مائة درهم يشتري بها خادما، وما كان له في حياته فلا خفاء أنه صرفه في صدقاته، وما ذكره من كثرة نسائه ففيه تعريض بالنبي صلى الله عليه وآله حيث مات عن تسع، وقد قال سفيان بن عيينة: كثير النساء ليس من الدنيا فإنه لم يكن أحد من الصحابة أزهد من علي وكان له سبعة عشر سرية، وأربع نسوة.