عليه، لإمكان نسبة المعصية إليه، فلا يحصل الوثوق بالوصول إلى التقوى، بل قد يجذب إلى ضدها فتعم به البلوى، فيجب وجود المعصوم ليفيد العلوم بأحكام الحي القيوم.
إن قيل: آيات التقوى مهملة وهي غير عامة، فتصدق بمفرد، فلا يفيد مطلوبكم. قلنا: بل الوقاية فرط الصيانة، يقال: وقاة فاتقى، فلا يتم إلا باجتناب الكبائر والصغائر، قال الله تعالى: (وأنا ربكم فاتقون (١)) والمراد بها فعل كل الطاعات، وترك جميع المعصيات. وقال النبي صلى الله عليه وآله (لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس).
القطب الثالث في الآيات التي فيها طلب الهداية، مثل: (اهدنا الصراط المستقيم (٢)) و التي فيها نسبة الهداية إلى الرب الكريم مثل ﴿فهديناهم. والله يهدي من يشاء.
سيهديهم ويصلح بالهم. وهديناه النجدين. ومن يهد الله فما له من مضل. ولكن الله يهدي من يشاء هذا هدى. [هدى ظ] للمتقين﴾ (3) ونحو ذلك يستغنى بقليله عن كثيره، ويشار بنزيره إلى غزيره.
ووجه الاستدلال أن الهداية جميعها غير معلومة بالعقول، فإن غالبها إنما يستفاد من المنقول، فإن فوض النقل والبيان إلى جايز الخطأ، ولا شك في اختلاف المفسرين والرواة، فإن سمع المكلف من الجميع، وقع في الأمر الشنيع، ولا ترجيح لبعض لارتفاع العصمة عن كل، فالمرشد على اليقين إلى معرفة الهداية هو المعصوم عن الغواية، فإن لم يجب وجوده كلفنا بما لا سبيل إليه، وطلبنا الصواب ممن لا يعول عليه، ولهذا لما تغلب على هذه المنزلة من جهل الفتوى، خبط في دين الله خبط عشوى.