ثم قال الوزير الذي هو العقل: أيها الملك لا بد لك من خاصة يؤثرونك ولو كان بهم خصاصة، فتحتاج إلى تاج هو الولاية، وإلى معراج هو العناية، وإلى دليل هو الهداية، وإلى مركوب هو الصدق، وإلى حلية هي السكينة، وإلى صاحب هو العلم، وإلى بواب هو الورع، وإلى سياف هو الحق، وإلى كاتب هو المراقبة وإلى سجن هو الخوف، وإلى ميزان هو الرجاء، وإلى سراج هو الحكم، و إلى نديم هو الفكر، وإلى خزانة هي اليقين، وإلى كنز هو القناعة، وإلى صاحب بريد هو الفراسة.
ثم قال أيها الملك: انظر إلى رعيتك بعين الرحمة، واقسم بكل ما تقيم به رسمه، فقال الملك: بل انظر أنت في الرعية، وأزل عنهم الشكية فقالت اليدان علي جمع الآلة، والأسنان أنا أطحن وأعزل النخالة، والريق أنا أعجن وأتولى إلى المعدة إنزاله، والمعدة أنا أطبخ وما أزيد على ذلك عمالة، والكبد أنا آخذ الصافي وأترك الحثالة، والقدرة أنا أفرقه بالعدالة إلى كل عضو ما يطيق احتماله.
ثم نادى منادي الفيض: يا معشر الرعية! قد أقسم الملك بالألية، أن من عدل عن الطريق السوية، وكفر نعمة العطية، وأنفقها في الخطية، فقد أفسد النية، ونقض البنية، وأولئك هم شر البرية.
واعلم أنك لا تصل إلى منازل القربات، حتى تقطع ست عقبات:
1 - فطم الجوارح عن المخالفات الشرعية، فتشرف على ينابيع الحكمة العقلية.
2 - فطم النفس عن المألوفات العادية، فتشرف على سرائر العلوم الربانية.
3 - فطم القلب عن الرعونات البشرية، فتشرف على أعلام المناجاة الملكوتية.
4 - فطم النفس عن الكدورات الطبيعية، فتشرف على أنوار المنازلات القرينية.
5 - فطم الروح عن البخارات الحسية، فتشرف على أقمار المشاهدات الحبيبية.
6 - فطم العقل عن الخيالات الوهمية، فتهبط على رياض الحضرة القدسية فهنالك تغيب مما تشاهد من اللطائف الأنسية، عن الكثائف الحسية.