التي لا تستقل العقول بإدراكها، تحتاج إلى المعصوم فيها، لينبه عليها بمقدمات يضعها لا يهتدي غيره إليها.
إن قيل: النهي عن الافتراق لا يستلزم وجوب الاجتماع إذ النهي عن الشئ لا يستلزم الأمر بضده. قلنا: عند الأشاعرة أن متعلق النهي فعل الضد فسقط السؤال، وعند أبي هاشم متعلقه عدم الفعل، والمقصود هنا من عدم التفرق اجتماع المسلمين لتحصيل فوائد الاجتماع، وأبو هاشم لا يمنع ذلك.
إن قيل: النهي عن التفرق لا يعم جميع أحكام العباد، بل مخصوص بما المقصود منه الاجتماع، كالأصول والجهاد. قلنا: (لا تفرقوا) نكرة منفية فتعم ولأن المراد عدم إدخال الماهية في الوجود، فلو دخلت في وقت عدم الامتثال.
القطب الثامن الآيات الدالة على شفقة الله تعالى بخلقه، وذلك في آيات الرحمة والعفو و المغفرة والتوبة والنعمة، وفي أمر رسوله بنحو ذلك من التلطيف والتغافل عنهم والارفاق بهم، في قوله: (فاصفح الصفح الجميل. فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم (1)) وبدون نصب الإمام المعصوم من الله ورسوله لا يوجد ذلك، إذ لا يتم إلا به، فكيف يحسن من النبي صلى الله عليه وآله مع شدة شفقته الاخلال به.
إن قيل: هذا من باب الخطابة والمسألة علمية فلا تستفاد من الخطابة.
قلنا: لا بل ذلك من باب مفهوم الموافقة، فإن الأمر باللين والاستغفار والتواضع هابط في اللطفية عن المعصوم، فيجب بالأولى، والخطاب الإلهي برهاني لأن إثبات الرحمة التامة وإرادة المنافع العامة، علة في نصب الإمام المعصوم الذي تفقد تلك الفايدة بفقده، وهذا برهان لمي ولأنه تعالى أثبت أحد معلولي الرحمة وهو الأمر باللين والشفقة، فيثبت المعلول الآخر وهو نصب المعصوم الذي تفقد تلك