إن قلت: فلو جعل نفوسهم كذلك، كانوا كذلك، قلت: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) وبهذا يسقط ما قيل إن اختصاصه بالرسالة، إما لأمر فيتسلسل، أولا لأمر، فترجيح بغير مرجح. قلنا: ذلك من العناية والمختار يرجح بلا مرجح.
(الفصل الثاني) محمد رسول الله صلى الله عليه وآله لثبوت دعواه ومعجزاته بالتواتر المفيد للعلم لبلوغ مخبريه إلى حد تشهد العقول بصدقه وتحيل العادة الاجتماع لافترائه، وإلا علم بمكانه و زمانه خصوصا مع توفر دواعي الكفار على نقله، وخصوصا القرآن العزيز، فإنه تحداهم بمعارضته في قوله (فأتوا بسورة من مثله (١)) فلو قدروا عليه مع كونهم ذوي فصاحة وبلاغة، لم يعدلوا عنه إلى محاربته، وفيها بذل أنفسهم، والهبوط عن رياساتهم، إذ العاقل لا يعدل عن الأخف الأسهل وفيه الحجة، إلى الأشق الأثقل مع عدم الفائدة.
وقد نقل الإمام الطبرسي في احتجاجه أن ابن أبي العوجا، وأبو شاكر الديصاني، وابن المقفع، و عبد الملك البصري اجتمعوا عند البيت، يهزؤن بالحاج ويطعنون بالقرآن، وعينوا لكل واحد منهم ربعا من القرآن أن ينقضه، ويجتمعون في القابل وقد نقضوه كله، فلما اجتمعوا في القابل، قال ابن أبي العوجا:
أما أنا فمنذ افترقنا، فمفتكر في قوله تعالى: (فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا (٢)) فلم أقدر أضم إليها من فصاحتها مثلها فشغلتني عما سواه، وقال عبد الملك: و أما أنا فمفتكر في قوله تعالى: ﴿إن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له﴾ (3). وقال أبو شاكر: وأما أنا فمفتكر في قوله تعالى: (لو كان