الاختيار في الأطراف والأقطار، أمكن بل وجب بحسب العادات، نصب كل قوم إماما غير الآخر لعدم العلم بفعل الآخر.
وما أصدق ما قيل:
تخالف الناس حتى لا وفاق لهم * إلا شجب والخلق في الشجب فقيل تخلص نفس المرء سالمة * وقال بعضهم تشركه في العطب إن قيل: فالنص حصل منه الاختلاف الموجب للفساد. قلنا: الاختلاف بعدمه أشيع فالنص عليه أنفع، لعموم الضلال بعدمه واهتدى قوم بقدمه، ولا يلزم من مخالفة بعض بطلان نص، فإن ترك العمل بالواجب لا يبطل الواجب.
قال أبو الحسين: لم لا يكون تفويض الاختيار إلى الأمة تغليظا للمحنة و تعريضا لزيادة المثوبة، وقد كان عدم إنزال المتشابهات أقرب إلى ترك الهرج والفساد في الاعتقادات، فلم يفعل لأجل تشديد التكليفات. قلنا: ذلك معارض بنص الله على أنبيائه، فإن مخالفة الكفار فيهم، لا يمنع من إرسالهم.
(الفصل السادس) الأمة بعد النبي إما أن تحتاج إلى الإمام، فيجب في حكمة الله نصبه، وقد فعل كما وجب فيها نصب النبي، أولا تحتاج فالاختيار عبث وتصرف بغير أمر مالك الأمر وأيضا فالإمامة إن لم تكن من الدين، فليس لأحد أن يدخل في الدين ما ليس منه، وإن كانت منه، فإن كان الله سكت عنها، كان مخلا بالواجب، وهو قبيح ونقص، وإن فعلها بطل الاختيار، وقد فعلها يوم نصب النبي عليا علما فأنزل سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي (1)) فإن بقي بعد ذلك شئ من الدين، كان الله تعالى كاذبا، تعالى الله عن ذلك، وإن لم يبق لزم المطلوب.