ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (1)) وقد آتانا أن عليا مدينة العلم وأمر جميع الأمة بأخذ علم الدين عن أمير المؤمنين، فعلمنا بذلك أنه لم يحرق بالنار إلا بعهد من الرسول إليه، على أن الله قد جعل إحدى خصال عقوبة المحاربين النار في الدنيا.
وما ذكره من ندمه على التحكيم، فالبطلان ظاهر فيه، والشعر المنسوب إليه مكذوب عليه، كيف ذلك وإنما قتل من الخوارج أربعة آلاف حيث حكموا بضلاله في التحكيم، أفيصح أن يشهد على نفسه بخطائه فيما قتل الناس لأجله.
ثم إن ذكر العثرة لا يدل على الخطأ والندم، لجواز تسمية ما أعقب العثرة عثرة مجازا، يجب المصير إليه لما تلوناه من قول النبي صلى الله عليه وآله فيه، وقد أضاف الرب الخبير زيادة الرجس إلى السورة والنفور إلى النذير. وأبلغ من ذلك أن الله تعالى سمى الحسنة سيئة والعدل جورا في قوله: (وجزاء سيئة سيئة. ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه (2)).
إن قالوا: إنما سماهما بذلك لوقوعها في صحبة السيئة والعدوان، كما تقرر في علم المعاني والبيان، قلنا: والتحكيم وقع في صحبة العثرة من الضالين حيث عدلوا إليه عن الحق اليقين، الذي قال الله تعالى فيه: (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين). (3) على أنا نعارض بقول النبي صلى الله عليه وآله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، وهذا يدل بظاهره على ندمه على سوق الهدي، ولم يخرجه ذلك من عصمته، بل هو مصروف عن ظاهره، فكذا ما نحن فيه.
قالوا: تلك صغاير جايزة على النبي، وأنتم أثبتم للإمام العصمة مطلقا.
قلنا: لم نثبتها له إلا على حد ثبوتها للنبي وإلا لكان أفضل من النبي ولا يقول ذلك سوى الضال الغبي، على أنا لا نجوز الصغاير على النبي وإنما قصدنا معارضتكم لنريكم أنكم [ا] دخلتم في أشنع مما ألزمتم خصمكم.
وهذان الفصلان لخصتهما من كلام الشيخ المفيد رحمه الله.