وقد بطل قولهم بما ثبت من حدوث العالم وحدوث كل ما سوى الله تعالى، مع أن كلام الفلاسفة في ذلك ومرادهم مفهوم غير متناقض وإن كان باطلا.
وأما القائلون بثبوت الجواهر والأعراض في العدم فإنهم قالوا أنها ثابتة في العدم ولا أول لثبوتها وليس لله فيها إلا صفة الوجود، ومن المعلوم أن هذا القول هذيان ومتناقض، لأن الشئ إما ثابت موجود أو معدوم منفي، فإن كانت الجواهر والأعراض معدومة فأي معنى لقولهم إنها ثابتة في العدم وإنها قديمة وإن كان معنى قولهم إنها ثابتة في العدم وقديمة أي أنها موجودة في القدم ومتحققة ومتعينة ولا أول لوجودها، فأي شئ أوجدها الله إذا كان الثبوت هو الوجود قديما مع الله ومستغنيا عنه، فقد ناقض قول هؤلاء في اللفظ والمعنى وصاروا أقبح قولا واعتقادا من الفلاسفة.
وأما كونهم أقبح قولا واعتقادا من المجبرة فلان المجبرة ادعت أن العالم وسائر حركاتنا وسكناتنا فإنها ليست منا وقالوا: إن ذلك جميعه من الله، فأبطلنا قولهم بما تقدم ذكره وبغيره من الأدلة الأخر.
وأما الذين أثبتوا الجواهر والأعراض في العدم وأنها لا أول لثبوتها، فإن كان الحركات والسكنات التي تقع منا تسمى شيئا فهي عندهم ثابتة في العدم قديمة فليست على قولهم من الله ولا منا، ومن المعلوم أن أفعالنا وحركاتنا وسكناتنا تسمى شيئا فإن الإنسان وكل عاقل يقول: مثلا ما فعلت شيئا أو يقول:
فعلت شيئا جيدا أو رديا، وإن كانت أفعالنا ليست بشئ عندهم فما فعلنا على قولهم شيئا أبدا، فقد صارت أفعالنا لا منا ولا من الله، فكان قولهم أقبح من قول المجبرة وأخس من سوء اعتقادهم.
(قال عبد المحمود بن داود) مؤلف هذا الكتاب: لما وقفت على هذه الأحوال وعرفت اعتقادات الأربعة المذاهب مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة