ينقص شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوفه وتنقصه كذا قاله بعض المفسرين (فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه) كفرعون وهامان وقارون وقوم عاد وهود وقوم صالح وغير هؤلاء فإن فعله تعالى بهم لأجل ظلمهم وإنكارهم للحق وعنادهم لأهله كاف في تحذير غيرهم ممن له بصيرة الاعتبار فاعتبروا يا أولي الأبصار (ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب) من العقوبة الدنيوية وهذا نظير قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون للترغيب في متابعة موسى عليه السلام: (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) يعني لا أقل من أن يصيبكم بعضه، قال القاضي وغيره: فيه مبالغة في التحذير وإظهار للإنصاف وعدم التعصب أو ينزل بكم ماتواعدهم لأن عذاب الدنيا وهو بعض ما توعدون به كأن خوفهم بما أقرب وقوعا وأعظم قدرا عندهم لأن عذاب الدنيا عند الغافلين أعظم من عقاب الآخرة لغفلتهم عنها فضلا عن عذابها (والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم) من الظالمين بسبب ظلمهم وخروجهم عن طاعة الله وطاعة رسوله (فإن السعيد من وعظ بغيره) قد صارت هذه القضية في معنى المثل أي السعيد في الآخرة من اعتبر حال غيره فشاهد بعين بصيرته مصير الظالمين فخاف عاقبتهم فعدل عن طريقتهم وتذكر مآل المتقين فمال إلى سيرتهم ورغب في الاتعاظ بالغير بذكر استلزامه للسعادة، وإنما عني بالقرية أهلها هذا ظاهر في نفسه ومع هذا دل عليه الدليل المذكور ويؤيده نسبة الظلم إلى القرية مجازا باعتبار ظلم أهلها.
(وقال عز وجل (فلما أحسوا بأسنا)) أي شدة عذابنا وقد مر تفسيره عن أبي جعفر عليه السلام قبل رسالته إلى سعد الخير متصلا بها (إذا هم منه يركضون يعني يهربون) قال القاضي يهربون مسرعين راكضين دوابهم أو متشبهين بهم في فرط إسراعهم (قال لا تركضوا) على سبيل الاستهزاء ولفظ قال من كلامه عليه السلام للتنبيه على أنه لابد من تقدير القول أي قال ذلك بلسان الحال أو المقال أو القائل ملك أو من ثم من المؤمنين (وارجعوا إلى ما أترفتم) من التنعم والتلذذ والإتراف إبطار النعمة (ومساكنكم) التي كانت لكم (لعلكم تسألون) عن كنوزكم وذخايركم كما مر.
وقال القاضي وغيره: تسألون غدا عن أعمالكم وفيه أنه لا مدخل للرجوع عن هذا السؤال (قالوا ياويلنا) أقبل فهذا أوان إقبالك (إنا كنا ظالمين) اعترفوا بظلمهم بعد نزول العذاب فلذلك لم ينفعهم (فما زالت تلك دعواهم) يكررونها لشدة التحسر والتأسف (حتى جعلناهم حصيدا) أي محصودا (خامدين) ميتين، خمدت نفوسهم كخمود النار، واعلم أن هذه القضية قضية بني أمية وقتلهم بسيف الصاحب عليه السلام وعساكره المنصورة لما فعلوه بالحسين عليه