قال بعض المفسرين: هذا تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهي في القبح وذكر النفس ليعلم أن المحذر منه عقاب يصدر منه فلا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة، وقال الغزالي: خوف العوام من عذابه وخوف الخواص من نفسه.
(ويحك يا بن آدم الغافل) عما يراد منه ويفعل به (وليس بمغفول عنه) لأنه تعالى يعلم ما يفعله من الخير والشر كما قال: (إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله) مع أنه جعل عليهم من الملائكة حفيظا رقيبا وفيه تنفير عن معصية الله والغفلة عما يراد منه من الأمور النافعة بعد الموت وظاهر أن تلك الأمور مما غفل عنها أكثر الناس في الدنيا ما داموا في حجب الأبدان فإذا نزعت عنهم تلك الحجب اطلعوا على ما قدموا من خير أو شر وما أعد لهم بسبب ذلك من سعادة أو شقاوة كما دلت عليه الآية المذكورة وغيرها (ابن آدم إن أجلك اسرع شيء إليك) الأجل محركة غاية الوقت في الموت ومدة العمر أيضا والثاني كالمسافة للأول لأن الأول يقطعه بأقدام الآنات والأنفاس فمرور كل آن ونفس يقرب منك وليس شيء أسرع من مرورهما وفيه مكنية وتخييلية وترشيح (قد أقبل نحوك حثيثا) أي سريعا (يطلبك ويوشك أن يدركك) لأن الطالب إذا كان سريعا والزمان يسيرا والمسافة قليلة كان وصوله قريبا وفيه تذكير بالموت وقرب ما يخاف من أهوال الآخرة والوصول إليه وتحذير عن الإصرار على المعصية وترغيب في الطاعة باعتبار أن كل عامل سيجد ثمرة عمله.
(وكأن قد أوفيت أجلك) وفي الشيء تم وكمل وأوفى فلانا حقه إذا أعطاه وافيا تاما أو في فلانا إذا أتاه فأوفيت إما مبني للمفعول أو للفاعل وفيه تحريك على فرض ما هو قريب الوقوع واقعا والغرض منه هو الحث على الاستعداد له قبل نزوله (وقبض الملك روحك) إما بسهولة أو بصعوبة باعتبار التفاوت في الإيمان والأخلاق والأعمال ولا يبعد أن يجعل هذا وجه الجمع بين الروايات المختلفة في صعوبة قبض الروح وسهولته (وصرت إلى قبرك وحيدا) أي متفردا عن الأهل والأقارب وفيه إشارة إلى وحشة القبر وترغيب في فعل ما يزيلها وما يستأنس به النفوس حينئذ وهو الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة لما روي أنهما يظهران لصاحبها بصور حسنة (فرد إليك فيه روحك) سؤال الميت وتعذيبه في القبر مذهب أهل الإسلام والروايات فيه من طريق العامة والخاصة كثيرة، قال عياض: خالفنا في ذلك الخوارج ومعظم المعتزلة وبعض المرجئة، والمعذب عند أهل الحق الجسد بعينه أو جزء منه بعد رد الروح إليه أو إلى جزء منه وخالف محمد بن جرير وعبد الله بن كرام وقالوا: لا يشترط إعادة الروح في تعذيب الميت وهو فاسد لأن الألم والإحساس إنما يكون في الحي وليس لأحد أن يمنع من عذاب القبر ويقول: إنا نشاهد هذا