السلام وأصحابه ورضائهم بذلك كما مر عن الباقر عليه السلام، وقال المفسرون من العامة: إنها قضية بني إسرائيل وبخت نصر لقتلهم نبيهم فغضب الله عليهم وسلطه على استيصالهم وليس في لفظ الماضي ترجيح لهم لأن متحقق الوقوع في عرف البلغاء يعبر عنه بالماضي (ولئن مستهم نفحة) أدنى شيء (من عذاب ربك) قال القاضي وغيره: وفيه مبالغات ذكر المس وما في النفحة من معنى القلة فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء والتاء الدالة على المرة (ليقولن ياويلنا إنا كنا ظالمين) على أنفسنا بمخالفة الرب.
(فإن قلتم أيها الناس إن الله عز وجل إنما عني بهذا) وأمثاله مما دل على عقوبة الظالمين (أهل الشرك) بالله لا أهل الإسلام لأنهم غير معاقبين وهذا القول غلط واضح (فكيف ذلك) أي اختصاص العقوبة بأهل الشرك (وهو يقول (ونضع الموازين القسط)) أي العدل لوزن الأعمال أو صحايفها على اختلاف القولين عند المحققين القائلين بتجسم الأعمال في النشأة الآخرة، وقيل:
الأعمال أعراض لا يعقل وزنها ووضع الميزان كناية عن العدل والإنصاف في الجزاء وقد ذكرنا توضيح ذلك سابقا (ليوم القيامة) أي لجزائه أو لأهله أو فيه (فلا تظلم نفس شيئا) من حقه أو من الظلم (وإن كان) العمل حقا كان أو باطلا (مثقال حبة من خردل أتينا بها) من غير زيادة ونقصان (وكفى بنا حاسبين) إذ لا يقع الغلط في حسابنا ولا يدخل الجهل في علمنا.
(اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين) هي دفاتر أعمالهم وصحائف أفعالهم (وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا) الزمرة الجماعة من الناس والزمر الجماعات (وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام) ليتبين قدر حسنات كل أحد وسيئاته فيثاب من زادت حسناته ويعاقب من زادت سيئاته فلا فائدة في وضعها لأهل الشرك (فاتقوا الله عباد الله) من مخالفة الله ومخالفة أوليائه (واعلموا أن الله عز وجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه) هم الأنبياء والأوصياء والتابعون لهم وفيه تنبيه على حقارة الدنيا إذ لو كان لها قدر عنده تعالى لأحبها لخلص عباده وترغيب في رفضها كما رفضوها (ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها) إذ صرف الفكر فيها وبذل التدبير في تحصيلها ليس مطلوبا له تعالى لأنه يمنعهم عن التقرب به.
(وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته) أي ليختبرهم ونسبة الاختبار إليه ليست من باب الحقيقة إذ هو طلب الخبر بالشيء ومعرفته حيث لا يكون معلوما وكان الله تعالى عالما بمضمرات القلوب وخفيات الغيوب فيعرف المطيع من العاصي بل من باب الاستعارة باعتبار أن ثوابه وعقابه للخلق لما كانا موقوفين على تكليفهم بما كلفوا به فإن أطاعوه