والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتيها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون).
فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عزوجل قال لمحمد (صلى الله عليه وآله): (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان فإنها دار بلغة ومنزل قلعة ودار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها وقبل الإذن من الله في خرابها فكأن قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى والزهد فيها: جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لأجل ثواب الآخرة فإنما نحن به وله، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* الشرح:
(كلام علي بن الحسين عليهما السلام) ذكر فيه من المواعظ والنصايح والترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا ما لو لم يكن غيره في هذا الباب لكان كافيا لأولي الألباب (قال كان علي بن الحسين عليهما السلام يعظ الناس) الوعظ الأمر بالطاعة والوصية بها وقيل هو تذكير مشتمل على زجر وتخويف وحمل على طاعة الله بلفظ يرق له القلب والاسم الموعظة (ويزهدهم في الدنيا) أي يحقرها ويقللها في أعينهم ويأمرهم برفض الوغول فيها وعلامة الزاهد أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره (ويرغبهم في أعمال الآخرة) علامة الراغب فيها أن يقنع من حلال الدنيا بما تكفيه ولا يصرف عمره فيما لا يعنيه إن وجد الحلال شكر وإن لم يجده صبر وتشتاق نفسه إلى فعل الطاعات وتضطرب بالوقوع في أدنى المنهيات (أيها الناس اتقوا الله) بفعل الطاعات وترك المنهيات والمخالفة له فيما أمر به من طاعة أوليائه (واعلموا أنكم إليه ترجعون) فيه وعد ووعيد بوجدان جزاء العمل إن خيرا فخير وإن شرا فشر كما أشار إليه اقتباسا للآية الكريمة بقوله (فتجد) وفيها «يوم تجد» (كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء) أي محضرا حذف للاختصار ولدلالة العطف وما بعده عليه، ومن مزيدة للمبالغة في عموم الخير والسوء لجميع الأفراد وإن كان في غاية الحقارة كما نطق به قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) تود استيناف أو حال عن فاعل ما عملت «ولو» للتمني وللمبالغة فيه وضمير التأنيث للنفس وضمير التذكير ليوم أو لسوء على احتمال، ومن المفسرين من جعل ما علمت مبتدأ وتود خبرا له وتجد مقصورا على ما عملت من خير وعلى هذا لا حذف فيه (ويحذركم الله نفسه) فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه وأوليائه وموالاة أعدائه،