ما أرادوا من الأوامر والنواهي ولم يرفقوا لفسادهم وبغيهم (على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا) من القوة والقدرة والنعمة وطيب العيش والجاه والمال والسلطنة ولم ينفعهم شيء من ذلك حين نزل غضب الله بساحتهم (وأمات هامان وأهلك فرعون) وقومهما لبغيهم وتجاوزهم عن الحد وفيه زجر لأصحاب القدرة والاقتدار عن البغي والفساد وتنبيه على أنه تعالى أشد قوة منهم وهو القوي العزيز (وقد قتل عثمان) لما صدر منه من الفساد في الدين والبغي على المسلمين (ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه) أشار به إلى أن حالهم عند قيامه عليه السلام بالخلافة كحالهم عند بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) في كونهم في البلية وهي الضلالة والشبهة واختلاف الأهواء وتشتت الآراء وعدم الألفة والاجتماع والنصرة لدين الحق وفيه تنبيه على أنهم ارتدوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يكونوا من أهل الدين والتقوى.
ثم أشار إلى أنهم كما عادت بليتهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك تعود بعده عليه السلام مؤكدا بالقسم البار بقوله (والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة) البلبلة والبلابل اختلاط الألسنة وتفريق الآراء وشدة الهم والبلية أي لتخلطن اختلاطا في ألسنتكم أو لتفترقن افتراقا في آرائكم أو لتبتلين ببلية شديدة وتتحركن بالشدائد وهي إشارة إلى ما يوقع بهم بنو أمية وبنو عباس وغيرهم من أمراء الجور من الفتن المزعجة والبلايا المتراكمة وخلط بعضهم ببعض وخفض أكابرهم ورفع أراذلهم (ولتغربلن غربلة) إشارة إلى التقاط آحادهم وقصدهم بالقتل والأذى كما فعلوا بكثير من الصحابة والتابعين والصالحين شبه فعلهم ذلك بغربلة الدقيق لتميز بعضهم عن بعض واستعار له لفظها (ولتساطن سوطة القدر) أشار إلى خلطهم بعده عليه السلام في خلافة الجبابرة كخلط ما في القدر والسوط الخلط وهو أن تخلط شيئين في قدر ونحوه وتضربهما بيدك أو بالسوط حتى يختلطا والمسوط خشبة تحرك بها ما في القدر ليختلط واستعار لفظ السوط مع غايته المذكورة لتصريف أئمة الجور لهم من حال إلى حال وتقليبهم من طور إلى طور وخفض شريفهم ورفع وضيعهم وتعظيم جاهلهم وتحقير عالمهم بجميع أسباب الإهانة والتعبير لما كانوا عليه في ذلك الوقت من القواعد ثم أشار إلى بعض نتائج تقلب الزمان وتغير أحوالهم بقوله (وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سابقون كانوا سبقوا) أراد بالمقصرين الذين يسبقون قوما لهم سابقة في الإسلام قصروا في نصرته وطاعته أولا حين وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) ثم أطاعوه ونصروه في ولايته وبالسابقين الذين يقصرون قوما أطاعوه في أول الأمر ثم قصروا في طاعته وخذلوه وانحرفوا عنه.
وقيل: أراد بالأول كل من هداه الله إلى طاعته وامتثال أوامره ونواهيه وزواجره بعد تقصيره في ذلك وبالثاني من كان في مبدأ الأمر مشمرا في سبيل الله مجتهدا في طاعته ثم جذبه هواه إلى غير