عما يوجب دخول الثانية والله أعلم، ثم بعد ذكر التقوى وخلافها والخلفاء الثالثة وأحوالهم والجنة والنار والاشتغال بهما عن غيرهما على سبيل الإجمال قسم الخلق خمسة أقسام ليعرف الناظر فيه مرتبته ويطلب درجته.
(فقال: ثلاثة واثنان خمسة ليس لهم سادس) أي هم ثلاثة واثنان وإنما قال ذلك ولم يقل:
خمسة إبتداء للتنبيه على أن ثلاثة من أصحاب العصمة والاثنين صنف آخر (ملك يطير بجناحيه) أي يسير في عالم الملك والملكوت بقدرته التي خلقها الله تعالى فيه فهو استعارة تبعية مرشحة مع احتمال أن يراد بالطيران والجناح معناهما الحقيقي كما يدل عليه ظاهر الآيات والروايات وإليه ميل أكثر أهل الإسلام حيث ذهبوا إلى أن الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة (ونبي أخذ الله بضبعيه) الضبع بسكون الباء وسط العضد، وقيل: ما هو تحت الإبط وأخذه كناية عن تطهيره من الأرجاس ورفع قدره بين الناس (وساع مجتهد) في طلب الحق ومتابعة الرسول في جميع ما جاء به وهو الوصي المعصوم مثله.
(وطالب يرجو) أي طالب للحق مطلقا أو حق النبوة والولاية وهو الشيعة يرجو من الله الرحمة والمغفرة والجنة وإن كان بطيئا في الطلب والعمل وهذه الأربعة كلهم من أهل النجاة على تفاوت الدرجات (ومقصر في النار) وهو الذي ترك طلب الحق وتبع النفس الأمارة والشيطان وورد في موارد الهلاك والشقاء والبغي والعصيان وظاهر أنه في النار له فيها زفير وشهيق ولما أشار عليه السلام إلى أقسام الخلق أراد أن يشير إلى طريق الباطل التي عليها أصحاب الهوى وأعوان الشياطين وطريق الحق التي عليها أعلام الهدى وأنصار المؤمنين ليجتنب السالك عن الأولى ويطلب الأخرى فقال (اليمين والشمال مضلة) أي المضلة لمن سلكهما عن الصواب أو موضع ضلال عنه والمراد بهما الإفراط والتفريط (والطريق الوسطى هي الجادة) إلى الله تعالى وجنته (عليها باقي الكتاب) أي الباقي الذي في الكتاب إلى آخر الدهر، أو الكتاب الباقي فالإضافة إما بتقدير «في» أو من باب جرد قطيفة وفي بعض النسخ: ما في الكتاب بلفظ الموصول (وآثار النبوة) وهي ما جاء به من عند الله تعالى وأعظمه الولاية، وبالجملة طريق السالكين إلى الله تعالى إما العلم أو العمل فالعلم طريق القوة النظرية والعمل طريق القوة العملية وكل منهما بين رذيلتين هما طرف التفريط والإفراط والوسط بينهما هو العدل وهو الجادة الواضحة لمن اهتدى عليها ما في القرآن من المقاصد الحكمية وعليها آثار النبوة التي بها يحصل النجاة في الدنيا والآخرة (هلك من ادعى وخاب من افترى) هذا إما دعاء أو إخبار أي هلك من ادعى ما ليس له أهلا هلاكا أخرويا وخاب من كذب أي لن يحصل مطلوبه إذا جعل الكذب وسيلة إليه.