الدين واستبداد كل فرقة منهم بمذهب في الأصول والفروع مع وجوده عليه السلام بينهم وإعراضهم عنه مع علمهم بحاله ومعرفتهم بكماله (ثم قال: أما بعد فإن الله تعالى لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء) وخوف عليه السلام من اشتد عناده وامتد فساده ورغب في الدنيا ونسي الآخرة واغتر بماله وابتهج بحاله واستبد في الدين برأيه ولم يرجع إليه بالاستفاده منه بذكر أحوال الجبارين الذين كانوا معرضين عن دين الله ودين رسوله فمهلهم الله تعالى من باب الاستدراج تمهيلا وأنعمهم جزيلا فكانوا في نعمة ورخاء ثم قصمهم وأخذهم أخذا وبيلا لعله يتذكر أو يخشى ثم عطف الكلام إلى المؤمنين وحملهم إلى الاتحاد والاجتماع والصبر على الشدة والرخاء ورجاء المعونة والقوة من الله تعالى فقال: (ولم يجبر كسر عظم من الأمم إلا بعد أزل وبلاء) الأزل الضيق والشدة والجدب، وجبر العظم المكسور كناية عن قوتهم بعد ضعفهم يظهر ذلك لمن نظر في أتباع الأنبياء أول الأمر فإنهم كانوا في غاية الضعف والشدة ثم حصلت لهم القوة بالاتحاد والصبر والتناصر والتعاون وفيه ترغيب في الصبر على النوازل وتنبيه على أن اليسر مقرون بالعسر كما قال تعالى (إن مع العسر يسرا) وعلى وجوب الاتحاد في الدين وعدم تشتت الآراء وتفرق الذهن فيه لقلة أهله فإن الحق يعلو بالآخرة مع أن التشتت يوجب الوهن والضعف والعجز وكل ذلك ضد مطلوب الشارع.
ويحتمل أن يراد بالجبارين المخالفون له عليه السلام وبقوله «لم يجبر» شيعته وأنصاره فنبه بالأول على أن أولئك الجبارين وإن طالت مدتهم وقويت شوكتهم فهم من إمهال الله لهم ليستعدوا به الهلاك وبالثاني على أنكم وإن ضعفتم وابتليتم فذلك من عادة الله فيمن يريد أن ينصره وينصركم بظهور دولتنا القاهرة ثم إبدالهم مضمون قوله: ولم يجبر، من باب التأكيد بقوله: (أيها الناس في دون) أي في أقل أو عند (ما استقبلتم من خطب) الخطب الشأن والحال والأمر عظم أو صغر وفي بعض النسخ: من عتب، أي من عتابي لكم وهو إشارة إلى ما كانوا فيه بعد ظهور الإسلام في حال الحروب مثل حرب بدر وحرب أحد وحرب الأحزاب من الأهوال والوهن والضعف راجعين إلى صاحب الوحي والعلم الإلهي صابرين على أذى المشركين، ثابتين في الدين، متحدين فيه غير مختلفين فأيدهم الله بنصره وأزال عنهم وهنهم وجبر عظمهم بما تقر به عينهم (واستدبرتم من خطب) وهو إشارة إلى ما كانوا فيه من الأهوال والوهن والشدة في مبدأ الإسلام مع قلتهم وكثرة عدوهم فلما اتحدوا ولم يختلفوا وصبروا ورجعوا إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) أيدهم الله تعالى وقواهم وجبر عظمهم بمن أسلم ودخل في الدين، ويحتمل أن يكون الخطب المستقبل والمستدبر واحدا وهو جميع ما استقبلوه ورأوه من أول الإسلام واستدبروه إلى أن قبضه (صلى الله عليه وآله) وإعادة الخطب يؤيد الأول