إصلاح حالكم ورد أمركم وعود ذلك الأمر إليكم.
(وإني لأخشى أن تكونوا على فترة) هي الزمان الذي بين الرسولين وإذا أطلقت يراد به ما بين عيسى عليه السلام ونبينا صلى الله عليه وآله والمراد هنا الجاهلية إطلاقا لاسم الظرف على المظروف أي أخشى أن تكون أحوالكم أحوال الجاهلية إطلاقا لاسم الظرف على المظروف أي أخشى أن تكون أحوالكم أحوال الجاهلية في التعصبات الباطلة بحسب الأهواء المختلفة ولما كان هنا مظنة أن يقال: ما سبب تلك الخشية؟ أجاب عنه بقوله (ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي) وهي تقديم الخلفاء الثلاثة عليه وتخصيصها بتقديم عثمان عليه وقت الشورى وما جرى فيها من الأقوال والأفعال بعيد (ولو أشاء لقلت) يفهم منه أنه لو قال لكان مقتضى قوله نسبة من تقدم عليه إلى الظلم له وتخطئتهم في التقدم عليه وذكر معائب تقتضي عدم استحقاقهم للخلافة وتقدير الكلام ولكي لا أقول فلم أكن مريدا للقول (عفا الله عما سلف) إشارة إلى مسامحته لهم بما سبق منهم وعدم إظهار فضايحهم إذ العادة جارية على أن يقول الإنسان ذلك فيما يسامح به غيره من الذنوب (سبق فيه) أي في أمر الخلافة (الرجلان) اللذان نصب كل واحد منهما صاحبه وتبعهما الجاهلون (وقام الثالث) بالأمر بنصب زوج أخته لأمه عبد الرحمن بن عوف (كالغراب همته بطنه) وقد كان أكولا متوسعا في الأكل مثل الغراب وجه التشبيه أن الغراب كما لا هم له بشيء أكثر من الأكل ولذلك هو أكبر الطيور لطلب الغذاء كذلك لم يكن أكبر همه إلا الترفه والتوسع في المطعم وسائر مصالح البدن دون ملاحظة أمور المسلمين ومراعاة مصالحهم (ويله لو قص جناحاه) كناية عن الفقر وسلب القدرة وعدم حصول أسباب الدنيا والإمارة له (وقطع رأسه كان خيرا له) إذ الأول يوجب المشقة الدنيوية والثاني يوجب زوال الحياة البدنية وهما خير له مما لحقته بسبب الإمارة من العقوبة الدايمة الاخروية وزوال الحياة الروحانية الأبدية (شغل عن الجنة والنار أمامه) أي شغل عما يوجب الدخول في الجنة بغيره والحال أن النار أمامه لابد له من المصير إليها وقيل يحتمل أن يكون «عن» للتعليل أي شغل كل أحد بأمر من أجل ما هو أمامه من الجنة والنار يعني جعل له شغل من أجلهما بذلك الأمر فيجب عليه أن لا يشتغل إلا به وهو ما يوجب الفوز بالجنة والنجاة من النار، والمراد بكونهما أمامه أنه مذكر لهما مدة عمره أو أنه مسافر إليه تعالى كذلك وسفره ينتهي إلى الجنة أو إلى النار فهما على التقديرين أمامه ومن كان كذلك وجب عليه أن لا يشتغل إلا بذلك الأمر و «شغل» على الوجهين مبني للمفعول لأن المقصود هنا ذكر الشغل دون الفاعل وهو الشاغل أو لكون الفاعل ظاهر لأنه في الأول هو الشيطان أو النفس الأمارة وفي الثاني هو الله تعالى بإيجاد الجنة والنار والترغيب فيما يوجب دخول الأولى والترهيب