ما كان عليه فاستبدل بسبقه في الدين تغييرا وانحرافا ثم أقسم الصادق المصدق تأكيدا لما سبق وما يأتي فقال (والله ما كتمت وشمة) هي بالشين المعجمة الكلمة وبالمهملة العلامة (ولا كذبت كذبة) التاء فيهما للوحدة والتنكير للتحقير (ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم) أي مقام الخلافة واجتماع الناس عليه، ثم صرف الكلام إلى نصحهم وزجرهم عن الخطايا وحثهم على الطاعة والتقوى على سبيل المبالغة فقال (ألا وإن الخطايا خيل) أي كخيل حذفت أداة التشبيه وحمل المشبه به على المشبه للمبالغة وقوله (شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها) ترشيح للتشبيه، وشمس بضمتين جمع شموس وهو النفور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته ولجم ككتب جمع لجام ككتاب للدابة فارسي معرب (فتقحمت بهم في النار) في النهاية: تقحمت به دابته إذا ندت به فلم يضبط رأسها فربما طرحت به في أهوية وتقحم الإنسان الأمر العظيم إذا رمى نفسه فيه من غير رؤية وتثبت وعلى هذا فالباء في «بهم» بمعنى مع ولفظة «في» زائدة للمبالغة في التعدية وفيه تنفير بليغ للسامعين عن الخطايا حيث صورها في أذهانهم بصورة فرس شموس خلع لجامها ومن البين أن العاقل يتنفر عن ركوبها لعلمه بأنها تلقيه في المهالك فكذلك يتنفر عن ركوب الخطايا لعلمه بأنها تلقيه في النار، فإن قلت: كل ما اعتبر في جانب المشبه به ينبغي اعتباره في جانب المشبه أيضا فما معنى شموس الخطايا وما معنى لجمها المخلوعة.
قلت شموسها ظاهرة لكونها جاذبة لصاحبها إلى خلاف نظام الشرع وقوانينه واللجم هي القوانين الشرعية وهي مخلوعة منها (ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة) فيه ترغيب في التقوى والميل إلى ركوبها في السير إلى الله تعالى وإلى الغياية المعينة وهي الجنة حيث صورها بالمطية الموصوفة بالوصف المذكور الموصلة راكبها إلى الغاية المقصودة له وذلك الوصف كونها ذلولا ومع زمام يتمسك به الراكب وكما أنها بهذا الوصف تلزم الطريق المستقيم ولا تتجاوزه وتسير براكبه حتى توصله إلى مقصده كذلك التقوى إذ سهولة طريق السالك إلى الله بالتقوى تشبه ذل المطية والحدود الشرعية وقوانينها التي تكون مع التقوى تشبه زمامها، وإيصال التقوى صاحبها إلى السعادة الأبدية التي هي قرب الحق ودخول الجنة تشبه إيصال المطية المذكورة راكبها إلى مقتصده والتشبيه فيه وفي السابق تشبيه معقول بمحسوس لقصد الإيضاح.
ثم أشار عليه السلام إلى أن من سبقه في أمر الخلافة ليس مستحقا له بوجه من الوجوه بقوله (ألا ومن سبقني إلى هذا الأمر) أمر الخلافة (من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له) دل على أن أمر الخلافة كان حقه عليه السلام (ومن ليست له منه نوبة إلا بنبي يبعث ألا ولا نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله))