منها) كأنه تعليل لقوله «وكل شيء فان» وإشارة إلى أن الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين ويذهب دهر الباقين معهم كما ذهب دهر الماضين ويكون آخره كأوله إذ أموره وأطواره متشابهة وأفعاله وآثاره مناسبة وطبيعته التي يعامل الناس بها قديما وحديثا متعاضدة يتبع بعضها بعضا وفيه تنبيه للسامعين ليتذكروا أنهم أمثال الماضين وأنهم لاحقون بهم وتحريك لهم على العمل لما بعد الموت واستعداد له ونسب هذه الأمور إلى الدهر جريا على ما في أوهام الناس وإلا فالفاعل هو الله تعالى.
(وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال) ضرورة أن كل عامل يتوجه ذهنه إلى عمل معلوم ومثال متمثل في خياله سواء كان ذلك العمل مستندا إلى وحي رباني أو اختراع نفساني أو إلهام شيطاني (فكن مرتادا لنفسك يا بن عمران) المراد بالارتياد هنا طلب العمل على وجه التفكر في أوله وآخره وحسنه وقبحه ومورده ومأخذه وإنما أمره بطلب هذا العمل لأنه النافع كما أشار إليه بقوله (لعلك تفوز غدا يوم السؤال) وأما غيره من العمل المخترع وان اجتهد عامله فإنه يصير في ذلك اليوم هباء منثورا كما نطق به القرآن الكريم وأشار إليه بقوله: (فهنالك يخسر المبطلون) العاملون بأهوائهم وآرائهم التابعون لآبائهم وكبرائهم التاركون لرسلهم وأوصياء أنبيائهم (يا موسى ألق كفيك ذلا بين يدي) كأنه أمره برفع اليدين إلى السماء في القنوت والدعاء أو بالسجود له والتضرع فيه عند ورود الحاجة أو نزول البلية أو صدور الذنب (كفعل العبد المستصرخ إلى سيده) الذي لا ملجأ له إلا إليه ولا وثوق له إلا عليه (إذا فعلت ذلك رحمت) مجهول على صيغة الخطاب أو معلوم على صيغة المتكلم وحذف المفعول (وأنا أكرم القادرين) وعد بحصول الرغبة وحث على ترقبه لأن القادر الكريم لا يخيب المضطر إليه ولا يمنع الخاضع لديه فكيف إذا اتصف بزيادة الكرم زيادة عثرت قبل الوصول إليها عقول العلماء وعجزت عن معرفة كنهها فحول الحكماء.
(يا موسى سلني من فضلي ورحمتي فإنهما بيدي ولا يملكهما أحد غيري) المسؤول إما الفضل والرحمة أو بعضهما على أن تكون من زائدة أو للتبعيض أو محذوف وهو خير الدنيا والآخرة على أن تكون من للتعليل والمقصود حثه على صرف وجه السؤال إليه وفراغه عن الغير والاشتغال بالتضرع بين يديه فإنه مالك الفضل والرحمة يهييء له أسباب مسؤوله ومطلوبه ويفتح له أبواب مأموله ومرغوبه (وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي) ترغيب في حسن الظن به في قبول سؤاله ودعائه وفي بعض الأخبار عن الأئمة الأطهار: «والذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط إلا بحسن ظنه،» وفي بعضها: «أحسن الظن بالله فإن الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي المؤمن بي إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا» ثم قال لزيادة الترغيب فيه (لكل عامل جزاء) في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما (وقد يجزى الكفور بما سعى) من خير إما في الدنيا أو في الآخرة