وغير ذلك ثم رغبه في أخذ ما أمره به بقوله (وكل أمري رشاد) أي طريق مستقيم يوصلك إلى ما فيه سرورك في الدين ونجاتك عن دار الظالمين.
(يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت لي عقوبته) أطلق الذنب على الغنى مبالغة لأن الغنى سبب لذنوب كثيرة مثل التكبر والتفاخر وتحقير المؤمن وعصيان الرب وترك الحقوق الواجبة المالية ونحوها وإلى جميع ذلك أشار جل شأنه بقوله (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) ويحتمل أن يكون المراد أن الغنى مسبب عن ذنب سابق فإنه تعالى قد يغني المذنب استدراجا له في غيه.
(وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين) الرحب السعة أو الواسع ونصبه بفعل مقدر أي صادفت سعة أو واسعا والياء للمصاحبة بمعنى أو للسببية والشعار بالفتح العلامة وما ولي الجسد من الثياب وفيه مبالغة في كمال لزومه والتصاقه بالصالحين حتى أن يتميز الصالح من الطالح (ولا تكن جبارا ظلوما) أي متكبرا عاتيا متمردا ظالما على نفسك وغيرك (ولا تكن للظالمين قرينا) أي مقارنا مصاحبا لأن صحبتهم تميت القلب وتميل إلى الظلم والرضا به وتورث حبهم وعونهم وغير ذلك من المفاسد.
(يا موسى ما عمر وإن طال يذم آخره) حث على رعاية حسن الخاتمة وتحصيل ما يوجبه في كل وقت من أوقات العمر لأنه يحتمل أن يكون آخره (وما ضرك ما زوي عنك إذا حمدت مغبته) الزي التنحية والقبض زواه عنه إذا نحاه وقبضه، والمغبة بفتح الغين عاقبة الشيء كالغب بكسرها وفيه تسلية للفقراء بأن ما نحي عنهم وقبض من متاع الدنيا وزهراتها لا يضرهم بل ينفعهم لأنه محمود العاقبة وهم يحمدون ويشكرون إذا رأوا خزي أهل الدنيا وخسرانهم (يا موسى صرخ الكتاب إليك صراخا بما أنت إليه صابر) في القيامة من عوائدها ودرجاتها المعدة لأهل الطاعة وشدايدها ودركاتها المقدرة لأهل المعصية وفيه استعارة مكنية وتخييلية بتشبيه الكتاب بالإنسان وإثبات الصراخ وهو الصيحة والصوت الشديد له أو استعارة تبعية بتشبيه دلالة الكتاب ينطق الناطق وصراخه واستعارة الفعل له (فكيف يرقد على هذا العيون) الاستفهام للتعجب أو التوبيخ بترك التيقظ والطاعة في ساعات الليل (أم كيف يجد قوم لذة العيش) في الدنيا ويرضى بها لولا التمادي في الغفلة عن صراخ الكتاب وأحوال القيامة (والاتباع للشقوة والتتابع للشهوة) هذه الأمور الثلاثة أسباب لنوم العيون ووجدان لذة العيش لأنها حجب ظلمانية مضروبة على الجوهر القدسي مانعة له عن رؤية أحوال الآخرة ولو قد كشفت تلك الحجب عنه لرآها بعين اليقين وعلم أنه من أين جاء ولم جاء وإلى ما يصير واستعمل جميع الجوارح فيما يحتاج إليه بعد العود فلا ينام ولا يجد لذة العيش شوقا إلى درجات الآخرة ومثوباتها وخوفا من دركاتها وعقوباتها (ومن دون