(ورأيت الحرمين يعمل فيهما.. الخ) حرم مكة وحرم مدينة وقد يطلق عليهما وذكرهما بعد ذكر شمول الجور والشر للبلاد من باب ذكر الخاص بعد العام للاهتمام والتنبيه على أن الشر فيهما أقبح وترك النهي عن المنكر فيهما أشنع حتى عدت الصغيرة فيهما كبيرة موعودة بالنار ولذلك كره الفقهاء المقام فيهما.
(ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين) في القاموس: المعازف الملاهي كالعود والطنبور الواحد معزف كمنبر والعازف اللاعب بها والمغني، وفي المصباح: المعازف آلات تضرب والمعزف بكسر الميم نوع من الطنابير يتخذه أهل اليمن وفي النهاية العزف اللعب بالمعازف وهي الدفوف وغيرهما مما يضرب، وقيل: لكل لعب عزف ووجه ذكر المعازف والملاهي فيهما بعد ذكرها وذكر ظهورها في البلاد ما عرفت (ورأيت الرجل من أهل العلم والمعرفة يتكلم بشيء من الحق) في الأصول والفروع وغيرهما من الأمور بين الناس (ويأمر بالمعروف) من يتركه (وينهى عن المنكر) من يفعله (فيقوم إليه من ينصحه في نفسه) أي بزعمه والا فهو بعيد عن حقيقة النصيحة إذ هي طلب الخير للمنصوح وهذا يطلب الشر له.
(فيقول: هذا عنك موضوع) زجرا له عن إظهار الحق ودفع الشر والذم هنا راجع إلى هذا الناصح لأنه خادع ضال مضل جاهل بأمر الله تعالى وأحكامه، صاد عن سبيله مفسد لدينه (ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور) لكون الشر أنفع وألذ وأقرب إلى نفوسهم الجاهلة وطبايعهم الباطلة من الخير بل إلى العالمة أيضا إلا أنها بعلمها النافع ولطفها المانع ونورها الساطع يدفع ظلمة الشر عنها وتلتزم ملازمة الأخيار وتجتنب مصاحبة الأشرار (ورأيت مسلك الخير وطريقه خاليا لا يسلكه أحد) لا يبعد أن يراد بطريق الخير في هذا القول طريق العلم وهي القوانين الشرعية وفي قوله سابقا: «ورأيت طريق الخير منقطعا» طريق العمل أو بالعكس لئلا يلزم التكرار ويمكن الفرق بوجه آخر فتأمل (ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد) أي يذكر بالخناء والفحش والخطأ والغيبة وغيرهما مما دل على قبح حاله فلا يفزع له ولا يغيثه ولا يدفع عنه أحد.
وفي النهاية الفزع الخوف في الأصل فوضع موضع الإغاثة والنصرة لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم مراقب حذر (ورأيت كل عام يحدث فيه من الشر والبدعة أكثر مما كان) هذا من أشراط الساعة لأن القوى وطبايع الإنسان في آخر الزمان مترقبة في الفساد والطغيان ومن البين أنه إذا تكاملت العلل والأسباب جاءت المعلولات والمسببات على وجه الكمال.
(ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الأغنياء) بالتعظيم والتكلم والمصاحبة والمجالسة والمخالطة ويستنكفون في جميع ذلك من الفقراء.